في تحليل ما حرم عليهم ، وفي تحريم ما أحله ، وقولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٣٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يُفْلِحُونَ).
أي : لا يفلحون وهم مفترون على الله ، وأمّا إذا انتزعوا من الافتراء وتابوا أفلحوا ، ولا يفلحون في الآخرة ؛ إذا كانوا مفترين على الله في الدنيا.
ثم قوله : (مَتاعٌ قَلِيلٌ).
على الابتداء ؛ وإنما سمّى قليلا ـ والله أعلم ـ لوجوه :
أحدها : أن متاع الدنيا على الزوال والانقطاع ؛ فكل ما كان على شرف الزوال والانقطاع فهو قليل ، كما قيل لكلّ آت : قريب ؛ لما يأتي لا محالة ؛ فعلى ذلك كل زائل منقطع ـ قليل.
والثاني : سمي قليلا ؛ لما هو مشوب بالآفات والأحزان وأنواع البلايا والشدائد ؛ فهو قليل في الحقيقة ، أو أنّه سمّاه قليلا ؛ لما أن متاع الدنيا قليل عما وعد في الآخرة ؛ فمتاعها من متاع الآخرة قليل ؛ لما ليس فيها الوجوه التي ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ).
وهو ما قصّ في سورة الأنعام ، وهو قوله : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) إلى قوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) ، وقوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ...) الآية [النساء : ١٦٠].
طوقوا له ـ عزوجل ـ : (وَما ظَلَمْناهُمْ).
بتحريم ما حرمنا عليهم ؛ لأنا إنما حرمنا عليهم تلك الطيبات عقوبة لهم ، وهو ما قال في سورة النساء ، وهو قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) [النساء : ١٦٠] ، وهو ما قال : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) [الأنعام : ١٤٦] أخبر أنه إنما حرم عليهم ذلك ؛ بظلم كان منهم عقوبة وجزاء لبغيهم ، لكن هم ظلموا أنفسهم في ذلك.
أو أن يكون قوله : (وَما ظَلَمْناهُمْ) ؛ لأنهم عبيده وإماؤه ؛ ولله أن يمتحن عباده وإماءه بتحريم مرة ، وبتحليل ثانيا ، ولكن ظلموا أنفسهم ؛ حيث وجهوها إلى غير مالكها ، أو صرفوا شكر ما أنعم عليهم إلى غيره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ).
أي : عمل السوء بجهالة ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن الفعل فعل جاهل وسفيه وإن لم يجهل ؛ يقال لمن عمل السوء : يا جاهل يا سفيه.