عادٍ) : متعد ومتجاوز اضطراره ، ولا يحتمل ما قاله بعض الناس : غير باغ على الناس ولا متعد عليهم ؛ لوجهين :
أحدهما : أنه لا يحتمل البغي على الناس في حال الاضطرار ؛ لأنه لا يقدر عليه والحال ما ذكر.
والثاني : أنه ـ وإن كان باغيا على ما ذكروا ـ لم يبح له التناول من الميتة ؛ يكون باغيا على نفسه ؛ لأنه إن لم يتناول هلكت نفسه ؛ فيصير باغيا على نفسه فدلّ أنّه على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) يحتمل : أي : لا تعودوا إلى ما وصفت ألسنتكم من الكذب هذا حلال وهذا حرام ، وألا تقولوا الكذب الذي تصفه ألسنتكم : هذا حلال وهذا حرام.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : لا تقولوا لما أحللتموه : هذا حلال ، ولما حرمتموه : هذا حرام ، وهو كقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ ...) الآية [يونس : ٥٩].
وفي هذه الآية دلالة ألا يسع (١) لأحد أن يقول : هذا مما أحله الله وهذا مما حرمه الله ؛ إلا بإذن من الله ، ومن يقول بأن الأشياء في الأصل على الإباحة أو على الحظر ؛ فهو مفتر بذلك على الله الكذب ؛ لأن الله لم يأذن له أن يقول ذلك ؛ بل نهاه عن ذلك مما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ).
أي : تكونوا مفترين على الله الكذب إذا قلتم ذا.
فإن قيل : كيف سماهم مفترين على الله بتسميتهم الحرام حلالا ، والحلال ـ حراما؟
قيل : لأن التحليل والتحريم ، والأمر والنهي ـ ربوبية ، فإذا حرموا شيئا أحله الله ، أو أحلوا شيئا حرّمه الله ـ فكأنهم على الله افتروا أنه حرم أو أحل ، أو حرموا هم وأحلوا فأضافوا ذلك إلى الله ـ تعالى ـ أنه هو الذي حرم أو أحل فقد افتروا على الله ؛ لأن من أحلّ شيئا حرمه الله ، أو حرم شيئا أحلّه الله ـ فقد كفر وليس من انتفع بالمحرم ، أو ترك الانتفاع بالمحلل ـ كفر ؛ إنما يصير آثما مجرما ، وكذلك تارك الأمر ومرتكب النهي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ).
__________________
(١) في أ : يسمح.