تستطيب ؛ بل تكره ، وقوله : تستطيب له أنفسكم وتتلذذ به ، لا ما تستخبث [به](١) ؛ لأنّ الله جعل غذاء البشر ما هو أطيب وألذ ، وجعل للبهائم والأنعام ما هو أخبث وأخشن ؛ لأن ما هو أطيب أدعى للشكر له.
ويحتمل أن يكون قوله : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) : لا تبعة عليكم.
وفي الآية دلالة أنه قد يرزق ما يخبث ولا يحل على ما يختاره ؛ حيث شرط فيه الحلال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
الشكر له عليهم لازم ، وإن لم تعبدوا ؛ وهو كقوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ١] : طاعته وطاعة رسوله واجبة ، وإن لم يكونوا مؤمنين ، أو يقول : وجهوا شكر نعمه إليه إن كنتم عابدين له بجهة ، أي : افعلوا العبادة له والشكر في الأحوال كلها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) [البقرة : ١٧٣].
أي : حرم أكل الميتة وما ذكر ؛ كأنه قال هذا ، وذكر على أثر تحريمهم أشياء أحل لهم ـ لحوما حرموا على أنفسهم ـ أشياء أحل لهم : من الزرع والأنعام ، والبحيرة والسّائبة ، وما ذكر ؛ فقال : لم يحرم ذاك ؛ ولكن إنما حرّم ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه ، على هذا يجوز أن يخرج تأويله ، وأمّا على الابتداء فإنه يبعد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ).
إلى ما ذكر من المحرمات.
(غَيْرَ باغٍ).
على ما نهى عنه ، وهو الشبع ؛ كقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) [المائدة : ٣].
(وَلا عادٍ).
إليه. وقال بعضهم : (غَيْرَ باغٍ) : يستحله في دينه ؛ فلا عاد ولا متعدّ في أكله.
وقال بعضهم : غير باغ : على المسلمين مفارق بجماعتهم مشاقّ لهم ، ولا عاد : عليهم ؛ يستفهم ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم وأقاويلهم.
وأمّا تأويله عندنا : (غَيْرَ باغٍ) : على المسلمين سوى دفع الإهلاك عن نفسه ، (وَلا
__________________
(١) سقط في أ.