أي : كفرت بالشكر لأنعم الله ، أي : لم يشكروها ، ليس أنهم لم يروها من الله ـ تعالى ـ وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ).
اللّباس : هو ما يستر وجوه الجواهر ، ألا ترى أنه سمى الليل لباسا ؛ لما ستر وجوه الأشياء ؛ فعلى ذلك الجوع يرفع الستر واللباس الّذي كان قبل الجوع ؛ لأن الجوع إذا اشتد غيّر وجه صاحبه ، ورفع ستره ، والجوع : ما ذكر أنه أصابهم جوع حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام المحرقة. والخوف : [ما] ذكر أنه بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم ؛ ألا ترى أنه قال : «نصرت بالرّعب مسيرة شهرين» (١) ، وقيل : الخوف : القتل.
وقوله : (رَغَداً).
قال الكسائي : رغد الرجل إذا أصاب مالا أو عيشا من غير عناء وكدّ.
وقال القتبي (٢) : رغدا ، أي كثيرا واسعا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ).
قوله : (رَسُولٌ مِنْهُمْ) ، أي : من أنفسهم ، من نسبهم وحسبهم ، يعرفونه ، كقوله : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦].
(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ).
بالتكذيب ؛ حيث وضعوا الشيء في غير موضعه ، أو ظالمون على أنفسهم.
أخبر أنه بعث الرسول من جنسهم ومن حسبهم ؛ لأنه إذا كان من غير جوهرهم لم يظهر لهم الآية من غير الآية ، ولا الحجة من الشبهة ؛ لأنه إذا خرج على غير المعتاد والطوق عرفوا أنه آية ، وأنه حجة ؛ إذ لا يعرفون من غير جوهرهم الخارج عن المعتاد والطوق ، ويعرف ذلك من جوهرهم ، وكذلك يعرف صدق من نشأ بين أظهرهم من كذبه ، ولا يعرف إذا كان من غيرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً).
قال بعضهم : الحلال والطيب : واحد ، وهو الحلال ، كأنه قال : كلوا ما أحل لكم ؛ كقوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) [النساء : ٣] ، أي : ما حل لكم. وقال بعضهم : (حَلالاً طَيِّباً) ، أي : حلالا يطيب لكم ما تتلذّذون به ؛ لأن من الحلال ما لا تتلذذ به النفس ولا
__________________
(١) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (٨ / ٢٦٢) ، عن ابن عباس قال : نصر رسول الله بالرعب على عدوه مسيرة شهرين.
وقال الهيثمي : وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، وهو ضعيف.
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٤٩).