وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ) هو تحذير وتخويف بتمثيل لا وعيد بتقرير وتصريح ؛ لأن الوعيد على وجهين :
أحدهما : على التمثيل (١) ، والآخر على التقرير (٢) في عينه وتصريح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) قيل : ما قل وما كثر إلا في كتاب ، أي : إلا في اللوح المحفوظ [مبين](٣) ، ويحتمل إلا في كتاب مبين ، أي : في الكتب المنزلة من السماء والله أعلم.
وقال أبو بكر الأصم في قوله : (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) : أي تنتشرون ، وتأويله ولا تعملون من عمل تنتشرون فيه إلا كنا عليكم شهودا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : قالت المعتزلة : دلت الآية على أن أصحاب الكبائر ليسوا بمؤمنين ؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين لكانوا أولياء الله ، وإذا كانوا أولياء الله لكان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فإذا كان لا شك أن على أصحاب الكبائر خوف وحزن [دل أنهم ليسوا بمؤمنين ولا لهم ولاية الإيمان لكن التأويل عندنا ـ والله أعلم ـ :](٤)(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٥)
__________________
(١) في أ : التمثال.
(٢) في أ : التعزير.
(٣) سقط في ب.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في أ : في وقت دون وقت ، ويجوز لأصحاب الكبائر لا خوف عليهم ولا حزن في وقت ، وليس في الآية أن ليس على أولياء الله خوف ولا حزن من أول الأمر إلى آخره. ويحتمل قوله.
(٥) (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ ...) الآية ، اختلفوا فيمن يستحق هذا الاسم :
فقال بعضهم : هم الذين ذكرهم الله في كتابه ، بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ).
وقال قوم : هم المتحابون في الله : لما روى أبو مالك الأشعري ، قال : كنت عند النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة» ، قال : وفي ناحية المسجد أعرابي ، فجثا على ركبتيه ، ورمى بيديه ، ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم ، قال : فرأيت في وجه النبي صلىاللهعليهوسلم البشر ؛ فقال : «هم عباد من عباد الله ، من بلدان شتى ، وقبائل شتى ، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، ولا دنيا يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوههم نورا ، ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن ، يفزع الناس ولا يفزعون ، ويخاف الناس ولا يخافون».
قال أبو بكر الأصم : أولياء الله : هم الذين تولى الله هدايتهم بالبرهان ، وتولوا القيام بحق العبودية ، والدعوة إليه.
واعلم : أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب ، فولى كلّ شيء هو الذي يكون قريبا منه ، والقرب من الله ـ تعالى ـ بالمكان والجهة محال ؛ فالقرب منه إنما يكون إذا كان القلب مستغرقا في نور معرفة الله ـ تعالى ـ فإن رأى ، رأى دلائل قدرة الله ، وإن سمع ، سمع آيات الله ، وإن نطق ، نطق بالثناء على الله ، وإن تحرك ، تحرك في خدمة الله ، وإن اجتهد ، اجتهد في طاعة الله ، فهناك يكون في غاية القرب من الله ؛ فحينئذ يكون وليّا.
ينظر اللباب (١٠ / ٣٦٦).