وقال الحسن : كان أمة ، أي سنة يقتدى به (١)](٢).
ويحتمل أن يكون سماه : أمّة ، لما كان كالأمّة والجماعة من القيام مع الأعداء ؛ لأنه ، وإن كان منفردا وحده ، فكان قيامه مع الأعداء والأكابر منهم كالجماعة والأمة ، والممتنع عنهم كالمتفرد. وأصل الأمة ؛ قيل : الجماعة والعدد.
ويحتمل قوله : (كانَ أُمَّةً) ، أي : مجمع كل خير وكل طاعة ؛ لما عمل هو من الخير عمل الجماعة ، واجتمع فيه كل خير ؛ فسمّى أمّة لهذا الذي ذكرنا ، أو أن يكون تفسير الأمة ما ذكر على أثره : (قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) ، والقانت ، قيل (٣) : المطيع ، والقنوت [هو القيام](٤) ـ كما ذكر ـ أنه سئل عن أفضل الصلاة ؛ فقال : «طول القنوت» (٥) ؛ أي :
__________________
(١) (أمة) : تطلق الأمة على الرجل الجامع لخصال محمودة ؛ قال ابن هانئ : [السريع]
وليس على الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
وقيل : (فعلة) تدل على المبالغة ، (فعلة) بمعنى لمفعول ، كالدخلة والنخبة ، فالأمة : هو الذي يؤتم به ؛ قال تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)[البقرة : ١٢٤] ، قال مجاهد : كان مؤمنا وحده ، والناس كلهم كانوا كفارا ، فلهذا المعنى كان وحده أمة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل : (يبعثه الله أمة وحده).
وقيل : إنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ممتازين عمن سواهم بالتوحيد والدين الحق ، ولما جرى مجرى السبب لحصول تلك الأمة سماها الله تعالى بالأمة إطلاقا لاسم المسبب على السبب.
وعن شهر بن حوشب : لم تبق أرض إلا وفيها أربعة عشر ، يدفع الله بهم البلاء عن أهل الأرض ، إلا زمن إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فإنه كان وحده ، والأمة تطلق على الجماعة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) [القصص : ٢٣] وتطلق على أتباع الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ؛ كقولك : نحن من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وتطلق على الدين والملة ؛ كقولهم : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٣] ، وتطلق على الحين والزمان ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) [هود : ٨] ، وقوله ـ جل ذكره ـ : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] ، أي : بعد حين ، وتطلق على القامة ، يقال : فلان حسن الأمة ، أي : حسن القامة ، وتطلق على الرجل المنفرد بدين لا يشرك فيه غيره ؛ كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «يبعث زيد بن عمرو بن نفيل يوم القيامة أمة وحده» ، وتطلق على الأم ، يقال : هذه أمة فلان يعني : أمه ، وتطلق أيضا على كل جنس من أجناس الحيوان ؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لو لا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها». ينظر : اللباب (١٢ / ١٨٢ ، ١٨٣).
(٢) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٣) هو قول الشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢١٩٧٦) و (٢١٩٨٠) و (٢١٩٨١) ، وهو قول ابن مسعود كما تقدم.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه مسلم (١ / ٥٢٠) ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب أفضل الصلاة طول القنوت (١٦٤ / ٧٥٦) ، والترمذي (١ / ٤١٢) ، أبواب الصلاة باب : ما جاء في طول القيام في الصلاة (٣٨٧) ، وابن ماجه (١ / ٥٣٣) ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها : باب ما جاء في طول القيام في الصلوات (١٤٢١) ، وأحمد (٣ / ٣٩١) ، والبيهقي (٣ / ٨) ، من حديث جابر بن عبد الله.