طول القيام ؛ فعلى هذا : المعنى : هو القائم لله في كل ما يعبده وأمر به.
وقيل : (أُمَّةً) ، أي : دينا ؛ لقوله : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [الأنبياء : ٩٢] ، أي : دينكم دينا واحدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَنِيفاً).
قيل : الحاج ، وقيل : الحنيف : المسلم ، وقيل : المخلص ، وفيه كل ذلك : كان حاجّا مسلما مخلصا لله ، وأصل الحنف : الميل ، أي : كان مائلا إلى أمر الله وما يعبده به ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
لا شك أنه لم يكن من المشركين ، لكنه ذكر هذين الوجهين.
أحدهما : لما ادعى كل أهل الأديان أنهم على دينه وانتسب كل فرقة إليه فبرّأه الله من ذلك ، وأخبر أنه ليس على ما هم عليه من الدين ؛ وهو ما قال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا ...) الآية [آل عمران : ٦٧].
والثاني : ذكر هذا : أنه لم يكن من المشركين بقوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٧] ؛ لأنه هو كان ذلك عنه على ظاهر ما نطق : كان ذلك في الظاهر إشراكا ، ففيه مشبه في ظاهره ؛ فبرأه الله عن ذلك وأخبر أن ذلك منه لم يكن إشراكا ، ولكن على المحاجة خرج ذلك منه محاجة قومه ؛ لقوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام : ٨٣] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ).
أي : لم يصرف شكر نعمه إلى غير المنعم ، بل صرف شكرها إلى منعمها ، والشكر في الشاهد هو المكافأة (١) ، ولا يبلغ أحد من الخلائق في المرتبة التي يكافئ الله في أصغر نعمة أنعمها عليه ، ولا يتفرغ أحد عن أداء ما عليه من إحسان الله عليه فضلا أن يتفرغ لمكافأته ؛ لكن الله ـ عزوجل ـ بفضله ومنّه سمّى ذلك شكرا ، وإن لم يكن في الحقيقة شكرا ؛ كما ذكر الصدقة التي تصدّق بها العبد إقراضا كما سمى تسليمه لنفسه وبذله الأمر لله ـ شراء ، وإن كانت أنفسهم وأموالهم في الحقيقة ـ له ، ولا يطلب المرء في العرف القرض من عبده ، وكذلك شراء ؛ لكنّه بلطفه [وفضله](٢) عامل عباده معاملة من لا ملك له في أنفسهم وأموالهم ؛ فعلى ذلك في تسمية الشكر ؛ والله أعلم.
__________________
(١) في أ : المكافآت.
(٢) سقط في أ.