وقال أبو بكر : أي ذكرهم النعم التي أنعم عليهم ، (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، أي : جادلهم أحسن المجادلة بلين القول ، وخفض الجانب والجناح ؛ لعلهم يقبلون دينهم ، ويخضعون لربهم.
وكذلك اختلفوا في قوله : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [المائدة : ١١٠] ، وقوله : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) [آل عمران : ٨١] : قال الحسن : الكتاب والحكمة : واحد ؛ اسم شيء ، وهو القرآن.
وقال بعضهم : الكتاب هو القرآن ، وهو سماع الوحي ، والحكمة : وحي الإلهام ، وهو السنة.
وقال بعضهم : الكتاب : هو التنزيل ، والحكمة : هي المعنى المودع فيه ؛ فمن يقول : إن الكتاب والحكمة واحد ، وهي القرآن يقول في قوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) : القرآن ، ومن يقول عنه : إنهما غير ـ يقول ـ هاهنا ـ : إنّ الحكمة : الحجة والبرهان ، إمّا من جهة الإلهام أو من جهة الانتزاع من الكتاب.
ويحتمل أن يكون قوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) : التي ذكر في هذه السورة ؛ من ذلك قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) [النحل : ٦٩] : يعني : من بطون النحل ، وقوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) [النحل : ٦٦] ، وما ذكر أنه يخرج من الخشب اليابسة ـ الأعناب وأنواع الثمرات ونحوه ؛ فذلك كله بحكمته ، أي : ادعهم إلى دينه وذكرهم بهذا ، وهم يقرون به ؛ ليقبلوا دينه ويخضعوا لأمره.
والموعظة الحسنة : ما ذكر في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ...) الآية [النحل : ٩٠] ، وذلك كله مستحسن في العقل وتوجبه الحكمة ؛ لأن العدل والإحسان ، وما ذكر من إيتاء ذي القربى ـ الصدقة ـ مستحسن في عقل كل أحد. والانتهاء ـ أيضا ـ عن الفحشاء والمنكر مستحسن ، مستقبح ارتكابه وإتيانه ؛ كأن الحكمة هي التي تشتمل على العلم والعمل جميعا ؛ كأنه قال : ادعهم إلى دين الله بالعلم والعمل جميعا ؛ حتى ينجع ذلك فيهم ؛ أو : ادعهم باللّين وخفض الجناح مرة ، [و] بالعنف والخشونة ثانيا ؛ فيكون وضع الشىء موضعه ، ثم قال : (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
يحتمل ـ والله أعلم ـ أي : جادلهم بالذى يقرون على ما ينكرون ، وهو ما ذكر : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ ...) الآية [النحل : ١٧] ، وقوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً)