[هود : ٨٨].
والثاني : واصبر وما صبرك إلا بالله ، أي : تركك القصاص لأمر الله ؛ حيث أمرك به ، لا لضعف أو عجز فيك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ).
قال : إنه كان يحزن ويضيق صدره ؛ لمكان كفرهم بالله ، وتركهم الإيمان بالله ؛ كقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٢] ، وقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ؛ فقال : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) : لذلك على التسلي والتخفيف لا على النهي عن ذلك.
ويحتمل : أن يكون قوله : (وَلا تَحْزَنْ) : على المؤمنين الذين قتلوا واستشهدوا ؛ لأنهم مستبشرون فرحون عند ربّهم بما آتاهم الله من فضله [؛ كقوله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)](١) أي : لا تحزن عليهم ، وهم فيما ذكر.
أو لا تحزن على المؤمنين ، ولا يضيقن صدرك مما يمكر بك أولئك الكفرة ؛ إذ كانوا يكفرون برسول الله وبأصحابه ويؤذونهم ، أخبر أن لا يضيقن صدرك لذلك.
وقال بعضهم : نزلت في أمر حمزة سيّد الشهداء : أنه مثل به وجرح جراحات عظيمة ؛ فاشتد على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «لئن ظفرنا بأولئك لنفعلنّ كذا ولنفعلنّ كذا» ؛ فنزلت الآية : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ...)(٢) ، لكن إن ثبت هذا فإنه يكون في الوقت الذي كان يؤخذ غيره ـ القاتل والجارح ـ بالقتل ، وذلك قد كان في الابتداء ؛ ألا ترى أنّه قال : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ...) [البقرة : ١٧٨] : كانوا همّوا أن يأخذوا الحرّ بالعبد والذكر بالأنثى ، حتى نزل هذا فصار منسوخا به ، وبقوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ، ولو كان يؤخذ غير القاتل بالقصاص ـ لم يكن فيه حياة ، أو إن قالوا في الحرب مع الكفرة فذلك لا يحتمل ؛ لأنه في الحرب لهم أن يقتلوا الكل ، وألا يتركوا واحدا منهم ؛ دلّ أنه يخرج على أحد وجهين :
على النسخ الذي ذكرنا.
أو على النهي عن أخذ أكثر من حقه ، وكقوله : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ...) الآية [البقرة : ١٩٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) تقدم.