وقوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى) : قد تقدم ذكره في صدر الكتاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : وهو ـ أيضا ـ على الأول : إن الذي يستحق صرف العبادة إليه وتوجيه الشكر إليه هو الذي يدبر الأمر في مصالح الخلق في جر المنافع إليهم ودفع المضار عنهم ، لا الذين لا يملكون المنافع إلى أنفسهم أو دفع المضار عنهم ، فضلا [عن] أن يملكوا أجرها إلى من يعبدهم أو دفع المضار عنهم.
وقال بعض أهل التأويل : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي يقضيه (١) ، والتدبير والقضاء واحد.
وقال بعضهم : (يُدَبِّرُ) : يقدر ، وهو ما ذكرنا التدبير والتقدير سواء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) : الشفيع هو ذو المنزلة والقدر عند الذي يشفع إليه ، لا أحد في الشاهد يشفع لآخر إلى آخر إلا بعد أن يكون الشفيع عند الذي يشفع إليه ذا منزلة وقدر ، فإذا كان كذلك فمع ذلك أيضا لا يشفع إلا من بعد ما أذن له بالشفاعة لمن جاء بالتوحيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) يقول : ذلكم الذي يستحق العبادة هو ربكم ، الذي خلقكم وخلق السموات والأرض ودبر أموركم ، فاعبدوه ولا تعبدوا الذي لا يملك شيئا من ذلك.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) : أنه هو المستحق للعبادة ، وهو المستوجب للشكر ، لا الذين تعبدون أنتم. أو أن يقول : أفلا تذكرون أن الذي خلقكم وخلق السموات والأرض هو ربكم ، وهو مدبر أمور الخلائق في مصالحهم ما يرجع إلى مصالحهم في دنياهم ودينهم ، لا الذي يعبدون من دون الله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) : إليه مرجع الخلائق كلهم في جميع
__________________
ـ فالجواب : أن هذا كان مشهورا عند اليهود والنصارى ؛ لأنه مذكور عندهم في التوراة والإنجيل ، والعرب كانوا يخالطونهم ، فالظاهر أنهم كانوا سمعوه منهم ؛ فلهذا حسن هذا التعريف.
فإن قيل : ما الفائدة في بيان الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض ، مع أنه ـ تعالى ـ قادر على خلق جميع العالم في أقل من لمح البصر؟
فالجواب على قول أهل السنة : أنه تعالى يحسن منه كل ما أراد ، ولا يعلل شيء من أفعاله بشيء من الحكمة والمصالح ، وأما على قول المعتزلة ـ وهو أن أفعاله تعالى مشتملة على المصالح والحكمة ـ فقال القاضي : لا يبعد أن يكون خلق الله السموات والأرض في هذه المدة المخصوصة ، أدخل في الاعتبار في حق بعض المكلفين ، ثم قال : فإن قيل : فمن المعتبر؟ ثم أجاب فقال : أما المعتبر فهو أنه لا بد من مكلف أو غير مكلف خلقه الله تعالى قبل خلقه السموات والأرض ، وإلا لكان خلقهما عبثا. ينظر اللباب (١٠ / ٢٥٧ ، ٢٥٨).
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٣٠) (١٧٥٥٨ ـ ١٧٥٦٢) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٣٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.