وقال بعضهم : ثم اقضوا إلي أي امضوا إلي كقوله : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) [الذاريات : ٢٦] و (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) [الصافات : ٩١] ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) : التولي اسم لأمرين : اسم للإعراض والإدبار ؛ كقوله : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٢٠٥] ، واسم للإقبال والقبول أيضا ؛ كقوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية [المائدة : ٥٦] ونحوه ، فهاهنا يحتمل الأمرين جميعا ، أي : فإن توليتم أي أقبلتم وقبلتم ما أعرضه عليكم وأدعوكم إليه ، (فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي : ما أجري إلا على الله. وإن كان في الإعراض فكأنه يقول : كيف أعرضتم عن قبوله ، ولم أسألكم على ذلك أجرا فيكون لكم عذر في الإعراض والرد؟! كقوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) الآية [الطور : ٤٠] ، أي : لم أسألكم على ما أعرضه عليكم وأدعوكم إليه غرما حتى يثقل عليكم ذلك العزم ، فيمنعكم ثقل الغرم عن الإجابة ، ففي هذه الآية وغيرها دلالة منع أخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم ؛ لأنه لو جاز أخذ الأجر على ذلك لكان لهم عذر ألا يبذلوا ذلك ولا يتعلموا شيئا من ذلك ، وفي ذلك هدم شرائع الله وإسقاطها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : مسلما نفسي إلى الله ، أي : سالما ، لا أجعل لأحد سواه فيها حقا ولا حظا ، أو أمرت أن أكون من المخلصين [لله](١) والخاضعين له ؛ هو يحتمل ذلك كله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَذَّبُوهُ) يعني : نوحا كذبه قومه فيما ادعى من الرسالة ، أو ما آتاهم من الآيات ، أو ما أوعدهم (٢) من العذاب بتكذيبهم إياه.
(فَنَجَّيْناهُ) يعني نوحا ، (وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أي : من ركب معه الفلك من المؤمنين.
(وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) يحتمل خلائف خلفاء في الأرض وسكانا يخلف بعضهم بعضا ، ويحتمل جعلناهم خلائف أي خلف قوم أهلكوا واستؤصلوا بالتكذيب.
(وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) : يحتمل الآيات الحجج والبراهين التي أقامها على ما ادعى من الرسالة.
ويحتمل قوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) العذاب الذي أوعدهم بتكذيبهم إياه فيما وعد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) : كان أنذر (٣) الفريقين جميعا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : أوردهم.
(٣) في أ : إنذار.