آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) ، فهذا العلم الذي قال : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) ، وإلا في الظاهر ليس هذا صلة ما تقدم من قوله : (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ، والله أعلم.
وقوله : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) : قال بعضهم : صدها عبادتها الشمس والأصنام التي عبدوها دون الله عن الإسلام وعبادة الله.
وقال بعضهم (١) : وصدها سليمان عن عبادتها التي كانت تعبد من دون الله ؛ لأنه ذكر أنها أسلمت.
وقوله : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) : قال بعضهم : الصرح : صحن الدار ؛ وهو قول الزجاج (٢). وقال القتبي (٣) وأبو عوسجة وأكثر أهل التأويل : الصرح : هو القصر.
ثم لا ندري ما سبب بناء ذلك الصرح؟ وما سبب أمره إياها بالدخول فيه وكشفها عن ساقيها؟
أما أهل التأويل فإنهم قد اختلفوا في ذلك :
قال بعضهم : قالت الجن لما أقبلت بلقيس : لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب ، فلو اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا ، وكانت أم هذه المرأة جنية ، فقالوا : تعالوا ننقصها ونكرهها إلى سليمان ، فقيل لسليمان : إن رجلها مثل حافر الدواب ؛ لأن أمها كانت جنية ، فأمر سليمان عند ذلك فبني له بيت من قوارير فوق الماء ، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه ماء فتكشف عن رجليها ، فينظر سليمان أصدقت الجن أم كذبت ، فلما رأته حسبته الماء وكشفت عن ساقيها فنظر إليها سليمان فإذا هي أحسن الناس قدمين وساقين ، فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها قالت الجن : لا تكشفي عن ساقيك (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ).
وقال بعضهم : لا ، ولكن ذكر لسليمان أن على ساقيها شعرا وأنهما شعراوان ، فأمر بذلك ليعرف ذلك.
وقال بعضهم (٤) : لا ، ولكن خافت الجن عند ذلك أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أشياء كانوا أطلعوها عليها وأفشوا إليها ، فأرادوا أن يكرهوها إليه ، فطعنوها بعيوب في عقلها ونفسها ، فقالوا : يا نبي الله ، ألا نريك عقلها فإن في عقلها شيئا؟ قال : بلى ،
__________________
(١) قاله ابن جرير (٩ / ٥٢٨).
(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٢٢).
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٢٥).
(٤) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٠٦).