بهم ؛ فأنزل الله هذه الآية لهؤلاء الفقراء الذين اتبعوا رسول الله ؛ ليصبرهم على أذاهم فقال : (فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) أي : اصبروا على الأمر ؛ هذا محتمل.
وقال الحسن (١) : قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) جعل أهل البلوى فتنة لغيرهم وغير أهل البلوى ؛ يقول الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان ، ويقول الفقير : لو شاء الله لجعلني غنيّا مثل فلان ؛ وكذلك يقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان ، لكنه أعطى لأهل البلوى البلوى وأمرهم بالصبر عليها ، وأعطى لأهل النعمة النعمة وأمرهم بالشكر عليها.
وجائز أن يكون غير هذا ، وهو قريب من هذا ، وذلك أنه أعطى بعضا النعمة والسعة ، وجعل بعضهم أهل ضيق وشدة ، ثم جعل كل فريق محتاجا إلى الفريق الآخر ؛ جعل الغني والمثري محتاجا إلى الفقير في بعض أموره ، والفقير محتاجا إلى الغني لغناه ، وجعل لبعض على بعض مئونة ما لو لا فقر الفقير لا يعرف الغني قدر غناه ، ولا الفقير قدر فقره ، ولا قام بعض بكفاية مئونة بعض ، ثم أمر كلا بالصبر على تحمل مئونة الآخر بقوله : (أَتَصْبِرُونَ) أي : اصبروا على الأمر يخرج ، وإن كان ظاهره استفهاما وسؤالا ، والله أعلم.
وقوله : (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي : على بصر وعلم ؛ جعل بعضا فتنة لبعض ليس على سهو وغفلة.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)(٢٩)
وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) : قال أهل التأويل (٢) : (لا يَرْجُونَ) أي : لا يخافون ولا يخشون لقاءنا ، أي : البعث بعد الموت.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٦٣١٣) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٢٠).
(٢) قاله ابن جرير (٩ / ٣٧٨).