وعملوا الصالحات ولهم سيئات ، لنكفرن عنهم تلك السيئات بأعمالهم الصالحات ، ثم لندخلنهم في الصالحين الذين لا سيئة لهم وهم الأنبياء ، إذ أكثر ما ذكر في الكتاب الصالحين إنما أريد بهم الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ وهو ما ذكرنا ـ والله أعلم ـ على تكفير السيئات عنهم على ما ذكر فيما تقدم ، وهو ما قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [العنكبوت : ٧].
أو أن يكون قوله : (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي : لنجعلنهم من الصالحين.
فإن قيل : ما معنى قوله : (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) وهم قد عملوا الصالحات؟ قيل : معناه ما ذكرنا بدءا : أنهم قد عملوا الصالحات إلا أن لهم سيئات يكفرها بالصالحات ، ثم ليجعلنهم في الصالحين الذين لا سيئة لهم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ)(١٣)
وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) : قال بعض أهل التأويل (١) : ناس مؤمنون بألسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم وأموالهم افتتنوا ، فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة.
ثم قال : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) : وذلك علم المنافق.
ومنهم من يقول : نزلت الآية فيمن حقق الإيمان سرّا وعلانية ، إلا أنه عذب لأجل إيمانه بالله وبرسوله ؛ فترك الإيمان وكفر ؛ فعلى تأويل هذا يحتمل قوله : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ ...) إلى آخر ما ذكر على القطع من الأول والابتداء منه من صنيع المنافقين وخبرهم ، والله أعلم.
ويحتمل قوله : (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي : جعل فتنة الناس وتعذيبهم إياه في إعطاء ما سألوه ـ وهو الكفر ـ كعذاب الله في إعطاء ما سأل من أهل الكفر وهو الإيمان ؛ لأن أهل الكفر إذا نزل بهم عذاب الله أو اشتد بهم خوف نزوله عليهم أعطوا الله ما سألهم من الإيمان والتوحيد ، وهو ما قال : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
__________________
(١) قاله مجاهد والضحاك وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٧٧٠٣) ، (٢٧٧٠٤) ، (٢٧٧٠٥).