عندهم كبير قيمة وقدر ؛ إذ منهم من يحيي ليله بدرهم وبما يسد به حاجتهم في يوم أو ليلة.
والثاني : أن الأعمال التي يعملها المرء تكون على وجوه سيئات تكفر بالتوبة أو بما كان يعاقبون عليها ، وحسنات يجزون بها الثواب الجزيل ، وإباحات يعملون لحوائج أنفسهم مما لا يعاقبون عليه ولا يثابون ، فيقول ـ والله أعلم ـ : لنجزينهم أحسن الذي عملوا وهو الحسنات والخيرات عملوها لله.
أو أن يكون قوله : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أن نكفر سيئاتهم بنوع من الحسنات ويثابون على أحسنها ، وهو ما قال : (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ، والله أعلم بذلك.
وقوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً).
وقرئ أيضا : (حُسْناً) قال الزجاج (١) : قوله : (حُسْناً) أجمع وأقرب ؛ لأنه يرجع إلى حسن الشيء في نفسه ، وإلى حسنه عند ذلك الإنسان ؛ يقال : حسن كذا إذا كان في نفسه حسنا ، والإحسان : هو ما يحسن عند ذلك المعمول له ، أو كلام نحو هذا.
قال الشيخ ـ رضي الله عنه ـ : لكن الإحسان هو اسم ما حسن أيضا في نفسه ، يقال : ـ أحسن ، فإذا أحسن ، فقد حسن ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : إن كان هذا الخطاب لأهل الإيمان فيكون تأويل الآية : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي : بأن له شريكا ، أي : تعلم بأن ليس له شريك فلا تشرك به ؛ وهو كقوله : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [يونس : ١٨] أي : يعلم بخلاف ما يقولون ؛ فعلى ذلك قوله يحتمل (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) بأن له شريكا ، أي : لك العلم بخلافه : بأن ليس له شريك.
وإن كان الخطاب لأهل الكفر يقولون على الله ما ليس لهم به علم.
وقوله : (فَلا تُطِعْهُما) : أمر بالبرّ للوالدين والإحسان إليهما والطاعة لهما ما لم يكن في طاعتهما معصية الربّ ؛ ليعلم أن ليس يجب طاعتهما في كل شيء وفي كل ما كان عندهما إحسانا ، ولكن فيما كان في ذلك طاعة الخالق.
وقوله : (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : وعيد لتكونوا أبدا على حذر في أعمالكم لا تعملون بما فيه معصية الرب.
وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) : كأنه قال : والذين آمنوا
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٦١).