منه ، فإذ لم يكن ، ولكن جاء كل منهما في وقته بعد ذهاب أثره على التقدير الذي ذكرنا ؛ دل أنه فعل واحد وتدبير واحد لا تدبير عدد ، وبالله الحول والقوة.
والقتبي يقول (١) : القطمير : هو الفوفة (٢) التي يكون فيها النواة.
وأبو عوسجة يقول : هو القشرة الرقيقة التي تكون بين لحم التمرة وبين نواتها ، واحده وجمعه سواء.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(٢٦)
وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
فيه وجوه من الدلالة :
أحدها : أنه إنما أمركم ونهاكم وامتحنكم بأنواع المحن لحاجتكم وفقركم إليه ، لا لحاجة وفقر له في ذلك ، فإن ائتمرتموه وأطعتموه ، فإلى أنفسكم ترجع منفعة ذلك ، وإن عصيتم فعلى أنفسكم يلحق ضرر ذلك ؛ كقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧].
والثاني : يقول : تعلمون أن فقركم وحاجتكم إلى الله ، لا إلى الأصنام التي تعبدونها واتخذتموها آلهة ، فكيف صرفتم العبادة والشكر إلى من تعلمون أنكم لا تحتاجون إليه ولا تفتقرون؟!
والثالث : يأمرهم بقطع أطماعهم من الخلق ؛ لأنه خاطب الكل وأخبر أنكم جميعا فقراء إلى الله الطامع والمطموع فيه ، فاقطعوا طمعكم ورجاءكم عن الخلق ، واطمعوا ذلك من الله ؛ فإنه الغني الحميد والخلق جميعا فقراء إليه ، يؤيسهم عن الطمع والرجاء
__________________
(١) انظر تفسير غريب القرآن ص (٣٦٠).
(٢) ثبت في حاشية أ : الفوفة : الحبة البيضاء في باطن النواة التي تنبت فيها النخلة ، شرح.