وقوله : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) : جائز أن يكون سؤاله هذا بإدخاله فيما ذكر كسؤال يوسف حيث قال : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف : ١٠١] ، سأل ربه التوفي على الإسلام والإلحاق بالصالحين ؛ فعلى ذلك سؤال سليمان يشبه أن يخرج على ذلك.
ثم فيه دلالة أن النجاة ودخول الجنة إنما يكون برحمة الله لا بالعمل حيث قال : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ) بعد ما سأل ربه العمل الصالح المرضي.
وقوله : (أَوْزِعْنِي) أي : ألهمني ، والإيزاع : الإلهام ، والوزع : الكف والسوق.
وقال القتبي (١) : وأصل الإيزاع : الإغراء بالشيء ؛ يقال : أوزعته بكذا ، أي : أغريته وهو موزع بكذا ومولع بكذا.
قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ)(٢٨)
وقوله : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) : عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : «تدرون كيف تفقد سليمان الهدهد؟ ثم قال : إنه إذا كان في فلاة من الأرض ، دعا الهدهد وسأله عن بعد الماء في الأرض وغوره ، فهو يعلمه من بين غيره من الطيور ؛ لذلك تفقده وسأل عن حاله».
وذكر أنه سأل ابن سلام عن ذلك (٢) ، فأخبر بذلك.
لكن هذا بعيد ؛ لأن سليمان ـ صلوات الله عليه ـ كانت له الريح مسخرة ، ذكر أنها كانت تحمله وتسير به كل غداة مسيرة شهر وكل عشية كذلك ، وهو قوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) [سبأ : ١٢] ؛ فلا يحتمل أنه إذا وقعت له الحاجة إلى الماء ألا يبلغ إلى الماء حتى يحتاج إلى أن يحفر له البئر ، فيستخرج منه الماء ، وما كان له من
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٢٣).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٦٩٠٤) و (٢٦٩٠٥) و (٢٦٩٠٦) و (٢٦٩٠٩) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرف عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٩٦).