وقال بعضهم (١) : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) أي : نصيبنا وحظنا من العذاب الذي توعدنا به وتحذرنا يوم الحساب قبل يوم الحساب ، قالوا ذلك استهزاء به وتكذيبا له ؛ ولذلك قال له على أثر ذلك : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) يصبره ويعزيه على ما يقولون ؛ ليصبر على ذلك ، والله أعلم.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) ليس على سؤال العذاب والكتاب الذي حمله عامة أهل التأويل عليه ، ولكنه سؤال السعة والنصيب في الدنيا ، ويكون ذلك في قوم لا يؤمنون بالآخرة سألوا ما وعدوا من النعيم في الآخرة والسعة في الدنيا ، وذلك أشبه لأنهم سألوا ربهم أن يعجل ذلك لهم ، فلو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب والكتاب على الاستهزاء بالرسول والتكذيب له ، لسألوا الرسول ذلك ، ولم يسألوا ربهم ذلك ؛ فدل ذلك على أنه أشبه وأقرب ، والله أعلم.
ويكون قوله ـ عزوجل ـ : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) على ما تقدم من قولهم : إنه ساحر [و] إنه كذاب ، وإنه اختلق هذا القرآن من ذات نفسه ونحوه ، ويؤيد ذلك قول سعيد بن جبير قال (٢) : ذكرت لهم الجنة فاشتهوا ما فيها ، فقالوا : (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) أي : نصيبنا من الجنة.
قوله تعالى : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ)(٢٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ).
يحتمل قوله ـ عزوجل ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) وجوها :
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٧٨٧) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٥٨) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٩٧٨٩).