والكتاب والوحي ، وهو أفقرنا وأصغرنا ونحن أكثر سنا وأعظم شرفا ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) بأنه لم ينزل عليه (لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) ؛ وهو قول مقاتل ، ثم قال : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) ، أي : يحتمل نعمة ربك ، أي : بأيديهم مفاتيح الرحمة والنبوة والرسالة فيضعونها حيث شاءوا ، أي : ليست تلك بأيديهم ولكنها بيد الله ، العزيز في ملكه الوهاب يهب النبوة والرسالة لمن يشاء ويضعها فيمن يشاء.
ثم قال ـ عزوجل ـ : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ، أي : ليس لهم ذلك ، ولكن ـ عزوجل ـ يوحي الرسالة إلى من يشاء ويختار لها من يشاء.
ثم قال : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) ، أي : الأبواب التي في السماء إن كانوا صادقين بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم اختلقه من تلقاء نفسه ، أي : فليستمعوا إلى الوحي حين يوحي الله إلى النبي محمد صلىاللهعليهوسلم بقول أولئك.
وقال بعضهم (١) : السبب : ما بين السماء والأرض أصلب من الحديد وأدق من الشعر يعرج به الملائكة وهو المعراج يبصره الميت إذا خرجت روحه.
وقال بعضهم : (فَلْيَرْتَقُوا) أي : فليصعدوا في طرقها ؛ فيعلموا علم ذلك أنزل عليه الذكر أو لم ينزل؟ والله أعلم. والارتقاء : الصعود.
أو أن يقول : ارتقوا أنتم السبب الذي ارتقى محمد صلىاللهعليهوسلم وأتوا بمثل الذي أتى به محمد أنه ليس برسول.
أو أن يقول : ائتوا أنتم بالذي أتى به محمد صلىاللهعليهوسلم من الدين والأسباب ؛ حتى تختصوا بالنبوة والرسالة كما اختص محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ).
قال : وعد الله ـ عزوجل ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أنه سيهزم جند المشركين ، فقال عامة أهل التأويل : جاء تأويلها يوم بدر ، وقد ذكرنا تأويله فيما تقدم ، والله أعلم.
والأحزاب : الذين تحزبوا عليه ، أي : تفرقوا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) ، اختلف فيه :
قال بعضهم (٢) : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) أي : كتابنا ؛ وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يوعدهم أنهم يؤتون كتابهم بشمالهم فيه أعمالهم التي عملوها في الدنيا في الآخرة ، فعند ذلك قالوا له : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) ، أي : كتابنا الذي توعدنا أنه يعطى بشمالنا ، قالوا ذلك استهزاء به وتكذيبا له.
__________________
(١) قاله الربيع بن أنس أخرجه ابن جرير (٢٩٧٦٤).
(٢) قاله الحسن أخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٥٥٩).