والثاني : فيه دليل حفظه إياه وعصمته عما كانوا يهمون به من القتل والإهلاك ؛ حيث منعه من مقاتلتهم ونهاه عن التعرض لهم إلى وقت ، على المعلوم ما كان منهم من الهم بقتله وإهلاكه لو وجدوا السبيل إليه ؛ فدل أن الله ـ عزوجل ـ قد عصمه وحفظه عنهم حين قال لهم ما قال حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ؛ كقوله : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [هود : ٥٥].
قوله تعالى : (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (١٧٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ).
عيانا ومشاهدة.
وقال بعضهم : وأبصرهم العذاب إذا نزل بهم خير فسوف يبصرون وقوعا.
ويحتمل قوله : (وَأَبْصارِهِمْ) أي : عرفهم أن العذاب ينزل بهم فسوف يعرفون إذا نزل بهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ).
دل هذا أنهم كانوا يستعجلون نزول العذاب بهم ـ والله أعلم ـ إنما يستعجلون العذاب استهزاء بالرسول ـ عليهالسلام ـ وتكذيبا له فيما يوعدهم أن العذاب ينزل بهم.
ثم قوله : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) هو حرف التعجب أن كيف يستعجلون عذابي؟! ألم يعرفوا قدري وسلطاني في إنزال العذاب والإهلاك إذا أردت تعذيب قوم وإهلاكهم؟! أي : قدرت ذلك وملكت عليه.
ثم أخبر أنه إذا نزل العذاب بساحتهم يساء صباحهم ، حيث قال ـ عزوجل ـ : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) [الصافات : ١٧٧].
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) يحتمل النزول بالساحة ، أي : بقربهم.
ويحتمل النزول بالساحة : النزول بهم والوقوع عليهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) [الرعد : ٣١] حتى يأتي وعد الله في نزوله بهم ـ والله أعلم ـ يحتمل نزوله بساحتهم ما ذكرنا من نزوله بقربهم ووقوعه عليهم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) ساء صباحهم ؛ لأن ذلك العذاب إذا حل بهم صيرهم معذبين في النار أبد الآبدين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ).
قد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ويقول بعضهم : أي : انظر فسوف ينظرون ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا.