قال : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(١) يسفه أحلامهم في عبادة من عبدوا دونه على علم منهم أنهم لا يملكون ما ذكر ، وصرفهم العبادة عن الله على علم منهم : أن ذلك كله من الله ، وهو المالك لذلك.
ثم يخبر عن عجز من عبدوه حيث إن تدعوهم على حقيقة الدعاء لا يسمعون دعاءكم حقيقة ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، أي : لو سمعوا دعاءكم ما يملكون إجابتكم في دفع ضر وسوء ولا في جر نفع.
أو أن يكون قوله : (إِنْ تَدْعُوهُمْ) أي : تعبدوهم (لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) ، أي : لا يجيبوكم إلى ما تقصدون بعبادتكم إياهم.
أو أن يقول : ما قبلوا ذلك عنكم ولا نفعوكم فيه ، والله أعلم.
وقوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) ينكرون يوم القيامة أن يكونوا شركاءهم أو أمروهم بذلك ؛ كقوله : (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ...) الآية [مريم : ٨٢] ، وقوله : (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ. قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ : ٤٠ ، ٤١] ونحوه ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ، أي : لا ينبئك أحد مثل الذي أنبأك الخبير في الصدق والحق.
أو أن يكون قوله : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) أي : لا يكون نبأ أحد مثل نبأ الخبير ، فاعمل به وأقبل عليه ، ولا تقبل على نبأ غيره ، والله أعلم.
وفي قوله : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) وجهان من اللطف : أحدهما : يتلف حتى يذهب أثره ويأتي بالآخر.
أو يزيد في هذا وينقص من الآخر ، ويدخل من ساعات هذا في ساعات الآخر.
وفيه نقض قول الثنوية في قولهم : إن منشئ الخير غير منشئ الشر ، ويقولون : إن النور من منشئ الخير والظلمة من منشئ الشر ، فلو كان ما ذكروا لكان إذا ذهب النور وجاءت الظلمة [كانت الظلمة] هي الغالبة والنور هو المغلوب في يدها ؛ وكذلك النور إذا جاء وذهبت الظلمة صارت هي مقهورة مغلوبة في يد النور ، والنور هو الغالب عليها ، فإذا صار مغلوبا مقهورا في يد صاحبه يجيء ألا يقدر على استنقاذ نفسه من يده أبدا ، على ما يكون من عادة الأعداء إذا غلب بعضهم بعضا وقهر بعضهم بعضا أن يهلك ولا يتخلص
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : القطمير : هو لفافة النواة وهي القشرة الرقيقة الملتفة عليها ، شرح.