فيما تقدم.
وقوله : (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ).
هذا يدل أن ما يصاب بالأسباب والمكاسب إنما هو فضل الله ؛ إذ قد تكتسب ولا يكون منه شيء ، والله أعلم.
وقوله : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى).
يذكر هذا لأهل مكة ؛ لإنكارهم الصانع ، وإنكارهم البعث ، وإنكارهم الرسل ؛ لأنهم كانوا فرقا ثلاثة : منهم من ينكر الصانع والتوحيد ، ومنهم من ينكر البعث ، ومنهم من ينكر الرسل ، ففي الآية دلالة إثبات الصانع وتوحيده ، وفيها دلالة البعث والإنشاء بعد الموت ، وفيها دلالة إثبات الرسالة :
أما دلالة إثبات الصانع والوحدانية له : فاتساق الليل والنهار والشمس والقمر وما ذكر ، وجريانهما وجريان الأمور كلها على سنن واحد وميزان واحد وقدر واحد ، من أوّل ما كان إلى آخر ما يكون من غير زيادة أو نقصان يدخل فيه ، أو تقديم أو تأخير يكون فيه ، يدل على أن لذلك كله صانعا مدبرا أنشأ ودبر كل شيء على ما كان وحفظه كله على ميزان واحد ؛ إذ لو كان ذلك بنفسه لكان لا يجري على حد واحد ، بل يتفاوت ويتفاضل ، وكذلك لو كان فعل عدد ، لكان يتقدم ويتأخر ويتغير ويمتنع ويذهب رأسا على ما يكون فعل العدد من الملوك : أن ما أراد [هذا إثباته أراد] الآخر نفيه ومنعه ، وما أراد هذا نفيه وإبطاله أراد الآخر إثباته ، وذلك معروف فيهم من مخالفة بعض بعضا ؛ فدل اتساق ما ذكرنا وجريانه على تدبير واحد : أنه فعل واحد وتدبير واحد لا عدد ، وبالله القوة.
ودل ذهاب الليل وتلفه بكليته حتى لا يبقى له أثر ، وكذلك ذهاب ضوء النهار ونوره ، وكذلك الشمس والقمر وإتيان الآخر بعد تلفه أنه بعث ؛ إذ لو لم يكن بعث كان تدبير ذلك كله وتقديره لعبا باطلا ، وإن من قدر على هذا يقدر على الإحياء بعد الموت ، وأنه لا يعجزه شيء.
فإن ثبت ما ذكرنا لا يحتمل أن يتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يمتحنهم بأنواع المحن ، فلا بد من رسول يأمر وينهى ويخبر عما لهم وعليهم.
وفيه أن مدبر ذلك كله عليم حكيم ، ثم يخبر أن الذي فعل ذلك كله هو ربكم الذي له الملك ؛ يقول : الذي فعل هذا كله [الله] لا الأصنام التي عبدتم دونه ، وسميتموها : آلهة ، فكيف صرفتم العبادة إليها والألوهية ، وما تعبدون من دونه لا يملكون ما ذكر؟! حيث