الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥].
ويحتمل وجها آخر : وهو أن جعل فتنة الناس في ترك الإيمان كعذاب الله في ذلك ، أي : جعل العذاب الذي من الناس كأنه من الله جاء فترك الإيمان.
وقوله : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) : فإن كانت الآية فيمن حقق الإيمان بالله سرا وعلانية ، فيخرج هذا على التعيير له في ترك الإيمان بما عذب به ؛ لأنه كان يقدر أن يظهر الكفر لهم باللسان ؛ فيدفع العذاب عن نفسه ، ويكون في الحقيقة في السر مؤمنا على ما ذكر : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [النحل : ١٠٦].
وإن كانت الآية في المنافقين ، فيقول : كيف أسررتم الكفر والخلاف له في القلب ، وأنتم تعلمون أن الله عالم بما في صدور العالمين؟! فيخبر رسوله بما أضمروا وأسرّوا من الخلاف ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) : قد ذكرنا تأويل هذا : أن يعلم كائنا ما قد علم أنه سيكون ، ويعلم موجودا ظاهرا ما قد علم أنه يوجد ويظهر.
وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) : كأنهم قالوا ذلك لهم بعد ما عجزوا عن الطعن في الحجج والآيات ما يوجب شبهة فيما عند الناس ، وبعد ما انقطعوا عن اللجاج فيها والاحتجاج عليها ، فلما عجزوا عن ذلك كله فعند ذلك اشتغلوا بما ذكر وقالوا للمؤمنين ما ذكر.
(اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) أي : ديننا ، (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) يقولون ـ والله أعلم ـ : اتبعوا سبيلنا فإنه صواب ، فإن أصابكم خطأ أو أخطأتم في الاتباع له فإنا نحمل خطاياكم.
وقال بعضهم : قالوا لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا ، وإن كان عليكم شيء فهو علينا ؛ وهو قريب من الأول.
أو أن يقولوا لهم : اتبعوا سبيلنا ؛ فإن الله أمرنا به ، فإن أخطأتم في ذلك فإنا نحمل خطاياكم أو نحوه ، فهذا القول منهم متناقض ؛ لأنهم ذكروا أنهم كانوا يخطئون في الاتباع لهم دينهم ، إلا أن يريدوا بذلك ما ذكرنا.
والثاني : إنما كانوا يضمنون ويحملون خطاياهم لا بإذن من له الطلب في الخطايا ، ولكن بإذن من عليه ذلك ، وذلك لا يصلح الضمان بإذن من عليه.
ثم أخبر أنهم لا يحملون ذلك حيث قال : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
يحتمل قوله : (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما يذكرون من حمل خطاياهم ، أي : لا يقدرون على