ثم قال : (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) : اختلف في قائل هذا :
قال عامة أهل التأويل (١) : إن قائل هذا هو الذي استصرخه واستغاثه بالأمس ظن أن موسى إنما أراد بطشه وأخذه وإليه قصد ؛ لذلك قال : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ).
وقال قائلون : هذا القول إنما قال له ذلك القبطي ، فإن كان هذا فهو يدل أن قتله ذلك الرجل بالأمس كان ظاهرا ، حيث علم به القبطي ، وكان قوله : (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أي : من دخول موسى المدينة.
وإن كان هو الأول كان قتله إياه خفيّا غير ظاهر ، فعلى هذا تكون الغفلة على أهل المدينة ليس على دخول موسى ، والله أعلم.
وقوله : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) ؛ لأن الذي يصلح بين اثنين لا يقتل ولا يأخذ أحدهما دون الآخر ، ولكن يصلح بينهما على السواء الذي قال ما قال.
وقوله : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) : قال بعضهم (٢) : يقول هكذا فعل الجبابرة ، يقتلون النفس بغير نفس.
وقال بعضهم (٣) : الجبابرة تقتل النفس بغير نفس.
وقال بعضهم : الجبار : هو الذي يحمل الناس على هواه وعلى ما يريده ، ويقهرهم على ذلك شاءوا أو أبوا.
وقال بعضهم : الجبار : هو الذي يتكبر على الناس لا يرى أحدا لنفسه نظيرا أو كلام نحوه. ويقال : كل قاتل آخر على الغضب بغير حق فهو جبار.
وقوله : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) : يحتمل أن يكون أقصى المدينة هو سكن فرعون ومقامه ، فمنه جاءه ذلك الرجل.
أو أن يكون أقصى المدينة : موطن الملأ والأشراف الذين ذكر أنهم ائتمروا على قتله.
وقوله : (يَسْعى) : والسعي : هو العدو في اللغة ، كأنه يسرع المشي إليه ليخبره بذلك.
وقوله : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ).
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٣٣) ، وعن قتادة والسدي أخرجه ابن جرير عنهما (٢٧٢٨٢) و (٢٧٢٨٣).
(٢) قاله ابن جريج أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٢٨٧).
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٢٨٦).