وقال بعضهم (١) : بغيه عليهم هو أن أعطى امرأة جعلا لتقذفه بنفسها ، فأراد أن يفضحه على رءوس الأخيار والملأ وأن يرجموه ، فدفع الله عنه وبرأه منه.
وقال بعضهم (٢) : إنما بغى عليه بكثرة ماله وولده ، هذا يشبه أن يكون كأنه افتخر بكثرة ماله في دفع عذاب الله ونقمته ؛ كقول أهل مكة : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً ...) الآية [سبأ : ٣٥].
وقال بعضهم : بغى عليه لأن النبوة جعلت في موسى والحبورة في هارون ، ولم يجعل لقارون شيء ، فاعتزل عن موسى واتبعه ناس كثير ، فاعتدى عليه ونحو هذا كثير مما قالوه (٣).
والأشبه أن يكون بغيه الذي ذكر عليه كبغي فرعون وهامان عليه ؛ حيث قال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) [غافر : ٢٣ ، ٢٤] ؛ وكقوله : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ ...) الآية [العنكبوت : ٣٩] ، فكان منه ما كان من فرعون وهامان من التكذيب والرد لرسالته ، وتسميته : ساحرا كذابا ، فذلك هو البغي عليه.
أو لا يفسر البغي عليه ؛ لأنه ذكر البغي ولم يبين ما ذلك البغي ، والله أعلم بذلك.
وقال قائلون (٤) : بغيه عليهم : هو أن زاد في ثيابهم شبرا ، فذلك أيضا لا نعلمه فهو مثل الأول.
وقوله : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) : قال بعضهم : مفاتحه : خزائنه.
وقال بعضهم : جمع مفتاح وهو في الأصل مفاتيح.
وذكر أن كنوزه كانت كذا كذا ألفا ، وأن مفاتيحه كان يحملها كذا كذا بغلا ، وأنها من جلود كذا أو من كذا قدر كذا ، فذلك أيضا لا نعلمه ولا نفسره ولا نذكره إلا قدر ما ذكر في الكتاب ؛ إذ ذكر في الكتاب الكنوز والمفاتح ، وذكر أن العصبة تنوء بها وذلك للكثرة
__________________
(١) هو قول ابن عباس ذكره في سياق كلامه السابق.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٥٧٤).
(٣) ثبت في حاشية أ : كأنه أعد [هارون] ليعلم التوراة وأحكامها وموسى ـ عليهالسلام ـ للدعوة ، وإقامة أمور الرعية ـ وإن كانت النبوة والرسالة عملهما ـ ولم يجعل لقارون شيء ، وهو من قرابتهما ، فاعتزل. شرح.
(٤) قاله شهر بن حوشب أخرجه ابن جرير (٢٧٥٧٣) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٦٠).