قوله : (إِذا مُزِّقْتُمْ) يحتمل أن قالوا : النبي ، يقول : إذا تفرقت جوارحكم وأعضاؤكم تكونوا خلقا جديدا ، فإن كان على هذا فهو ـ والله أعلم ـ كان من أهل الدهر ذلك القول ؛ لأنهم يقولون بقدم العالم ، ولا يقولون بفنائه ؛ لأن أهل مكة كانوا فريقين : فرقة تذهب مذهب أهل الدهر ، وفرقة يقولون بحدث العالم ، ويقرون بفنائه ، لكنهم ينكرون إحياءه بعد الفناء. فإن كان ذلك من هؤلاء ؛ فيكون قوله : (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ، أي : إذا ذهبت أجسادكم ، وفنيت اللحوم والعظام ، وكنتم رمادا ورفاتا (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، أي تكونون خلقا جديدا ، يخرج ذلك منهم على أحد وجهين :
إما على استبعاد ذلك في أوهامهم وعقولهم ، أي : لا يكون ذلك.
أو على التعجب : أن كيف يكون ذلك؟! فقال عند ذلك : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) :
يقولون : أفترى محمد على الله كذبا أم به جنون؟ إذ لم نسمع ذلك من أحد من قبل ، ولا رأينا ذلك أنه كان ما ذكر ، فرد الله ذلك عليهم وقال : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ، أي : بالبعث والإحياء بعد الموت ـ هم المفترون على الله ، هم (فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ).
جزاء قولهم : أم به جنون؟ يقول : بل هم في ضلال بعيد ، الضلال البعيد : كأنه هو الذي لا يرجع إلى الهدى أبدا ؛ فتكون الآية في قوم : علم الله أنهم يختمون على الضلال ، ولا يؤمنون أبدا ؛ فيكون في ذلك دلالة إثبات الرسالة.
وقوله : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) : قد ذكرنا قوله : (أَفَلَمْ يَرَوْا) ؛ (أَلَمْ تَرَوْا) [لقمان : ٢٠] ، ونحوه أنه يخرج على وجهين :
أحدهما : قد رأوا على الخبر.
والثاني : على الأمر : أن انظروا (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ).
ثم يقول بعضهم لبعض : حيثما قدم الإنسان رأى بين يديه من السماء مثل السماء [التي] يرى خلفه ، وكذلك الأرض.
وقتادة يقول (١) : لينظروا كيف أحاطت بهم السماء والأرض ، وهما واحد.
(إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) ، كما خسفنا بمن كان قبلهم ، (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٨٧١٧) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٢٦).