والمعاملة : أن يصبر على ذلك ، ويشكر له في نعمه.
وقوله : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ).
اختلف في ظنه :
قال بعضهم (١) : ظن بهم ظنا ، فوافق ظنه فيهم حين قال : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢] من عصمت مني ، وما قال : (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً* وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ ...) [النساء : ١١٨ ، ١١٩] إلى آخر ما ذكر ، فقد صدق ما ظن فيهم.
وقال بعضهم (٢) : (صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) ، وذلك أن إبليس خلق من نار السموم ، وخلق آدم من طين ، ثم قال إبليس : إن النار ستغلب الطين ؛ فمن ثمة صدق ظنه ؛ فقال : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر : ٣٩ ، ٤٠].
يقول الله : (فَاتَّبَعُوهُ).
ثم استثنى عباده المخلصين فقال : (إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
يعني : عباده المخلصين ؛ فإنهم لم يتبعوه ، الذين قال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢].
وقال قائلون : (مِنَ) هاهنا صلة ؛ كأنه قال : (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، الذين هم [مؤمنون] في الحقيقة ، فأمّا من كان عندكم من المؤمنين في الظاهر فقد اتبعوه ؛ لأنه لا كل مؤمن عندنا هو في الحقيقة مؤمن (٣).
أو أن يكون قوله : (فَاتَّبَعُوهُ) فيما دعاهم إليه ، والله أعلم.
وقوله : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ).
قال الحسن : والله ما ضربهم بالسيف ، ولا طعنهم بالرمح ، ولا أكرههم ، على شيء ، وما كان منه إلا غرور أو أمانيّ ووسوسة دعاهم إليها ؛ فأجابوه (٤).
وقال بعضهم : قوله : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) ، أي : حجة ، ليس له حجة عليهم ، أي : لم يمكن من الحجة ؛ ولكن إنما مكن لهم الوساوس والتمويهات ، ثم جعل
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٨٣١) وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٤٠) ، وهو قول مجاهد وقتادة.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٤٠).
(٣) ثبت في حاشية أ : ويحتمل أن يكون (من) للتبعيض ، ومعناه : فاتبعوه إلا فريقا ، شرح.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٤٠).