والأشبه أن تكون شجرة القرع ؛ لأنها أسرع الأشجار نبتا وامتدادا وارتفاعا في السماء في مدة لطيفة ووقت قريب ، والوصول إلى الانتفاع بها أكلا واستظلالا لها ما لا يكون مثل ذلك [في] مثل تلك المدة من الأشجار ، والله أعلم. وعلى ذلك روي أنه قيل : يا رسول ، إنك لتحب القرع؟ قال : «أجل هى شجرة أخي يونس ، وهو تزيد في العقل» (١) فهذا يدل إن ثبت : أنها كانت شجرة القرع ، والله أعلم.
ثم فيه لطف من الله ـ عزوجل ـ : حيث أنبت عليه شجرة في وقت لطيف ، لا ينبت مثلها إلا بعد مدة [غير] لطيفة ووقت مديد ، وأبقى عليه الضعف وقتا طويلا مما يرتفع ذلك ويزول في وقت يسير في العرف ؛ ليذكره ما أنعم عليه ويقوم بشكره ، وهو كما ذكر في قصة صاحب الحمار حيث قال ـ عزوجل ـ : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) [البقرة : ٢٥٩] أبقى طعامه وشرابه وحفظه وقتا طويلا غير متغير مما طبعه التغير في وقت يسير وغير ما طبعه البقاء لطفا منه ، فعلى ذلك أنبت على يونس شجرة في وقت لطيف مما لا ينبت مثلها إلا في وقت طويل ، وأبقى ذلك الضعف الذي كان به والسقم مما سبيله الزوال والارتفاع في وقت يسير لطفا منه ؛ لتذكير ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ).
هذا يحتمل وجوها :
أحدها : ما ذكرنا أن حرف الاستفهام إذا أضيف إلى الله فهو على التقدير والإيجاب ليس على حقيقة الاستفهام ، فعلى ذلك حرف الشك : أي : مائة ألف بل يزيدون ، أو يقول : ويزيدون ؛ لما يتعالى عن الشك.
والثاني : قوله : (أَوْ يَزِيدُونَ) حتى يزيدوا ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦] ، أي : حتى يسلموا.
أو كأنه وقت ما بعثه إليهم كانوا مائة ألف ، ثم ازدادوا بعد ذلك ، والله أعلم.
والثالث : يزيدون مائة ألف أو يزيدون عند الناس ، فمعناه : أن من نظر إليهم لا يظن دون مائة ألف ، ولكن يظن مائة ألف وزيادة ، والله أعلم.
قال ـ عزوجل ـ : (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ).
قيل : آمنوا به فلم يهلكوا ، ولكن أخر عنهم إلى وقت موت حتفهم.
وقال ـ عزوجل ـ في آية أخرى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا
__________________
(١) أخرجه البيهقي في الشعب (٥٩٤٧) عن عطاء مرسلا بلفظ : «عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ».