وقوله : (فَأَخْرَجْناهُمْ) يعني : فرعون وقومه ، (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أي : حسن ، (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ* فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) أي : تبع فرعون وقومه حين شرقت الشمس أي : طلعت ـ ومشرقين أي : كانوا في الشمس ، أي : قوم موسى صاروا في الشمس ، يقال : أشرقنا إذا صاروا فيها.
وقوله : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) : جمع موسى وجمع فرعون ، أي : إذا تراءى بعضهم بعضا ، (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) قال موسى (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) : كان قوم موسى لم يعلموا بالبشارة التي بشرها الله موسى أنهم لا يدركون ، وهو ما قال : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) أي : لا تخاف دركهم ولا تخشى فرعون وقومه ؛ لذلك قالوا : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) وكانت البشارة لهم لا لموسى خاصة ، يدل لذلك قول موسى : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) على أثر قولهم : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أي : كلا إنهم لا يدركونكم.
وقوله : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) أي : انشق ؛ وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود : فانشق.
(فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) أي : كالجبل العظيم ، [والطّود] والطور واحد ، وأطواد جماعة.
وقوله : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) : قال الحسن : أزلفنا ، أي : أهلكنا ثم الآخرين.
وقال بعضهم : جمعنا ، ومنه قيل : ليلة المزدلفة ، أي : ليلة الازدلاف وهو الاجتماع ؛ وكذلك قيل للموضع : جمع.
فإن كان التأويل هذا ففيه دلالة أن لله في فعل العباد صنعا وتدبيرا ؛ لأنه أضاف الجمع إليه ، وهم إنما كانوا خرجوا للمعصية ؛ فدل ذلك أنه على ما ذكرنا.
وقال بعضهم : (١) (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي : أدنيناهم وقربناهم ، ومنه زلفك الله ، أي : قربك الله ، ويقال : أزلفني كذا عند فلان ، أي : قربني منه ، والزلف : المنازل ، والمراقي ؛ لأنها تدنو بالمسافر ، ومنه : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الشعراء : ٩٠] أي : أدنيت وقربت ؛ وكذلك قال أبو عوسجة والقتبي (٢).
وقوله : (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) الآية ظاهرة.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي : في هلاك فرعون وقومه ، وإنجاء موسى ومن معه متعظ ومزجر لمن بعدهم ؛ حيث رأوا أنه أهلك الأعداء ، وأبقى الأولياء.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٦٥٦) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ١٦٠).
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣١٧).