علمنا أن ربه غفر له بقوله ـ عزوجل ـ : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) ، فأما ما سوى ذلك الذي ذكره أهل التأويل فلا نعرفه ، فإن صح شيء منه يقال به ، وإلا الترك أولى به وأسلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ).
يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) في باقي عمره ، أي : له في باقي عمره ما يزلفه لدينا ، ويقربه عندنا ، والله أعلم.
أو أن يكون له زلفى عنده في الآخرة ، أي : له كرامة ومنزلة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ).
يحتمل قوله : في جملة أهل الأرض من الرسل والأنبياء والملوك وغيرهم على الشريف والوضيع ، والله أعلم.
ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) في الرسل خاصة ، وكلا التأويلين يرجعان إلى واحد ، إلا أن أحدهما يرجع إلى العامة منهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى).
ثم لم ينهه عن هوى النفس ، ولكن نهاه عن اتباع هواها أن النفس قد تهوى في الحكم بغير حق حيث قال : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) ؛ لأن النفس أنشئت على الهوى والميل إلى اللذات والشهوات وعلى ذلك طبعت وبنيت ؛ فيكون في هواها إلى ما تهوى مدفوعا غير مالك ولا قادر على دفعه ؛ لذلك لم ينه عن هواها ولكن نهاه عن اتباع هواها ، ويقدر على منعها بالعقل وردها إلى اتباع الحق ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
ذكر أنه لو اتبع هواها أضله عن سبيله ، ولا كل هوى إذا اتبعه المرء ، أضله عن سبيله ، لكنه إذا اتبعه في شيء بعد شيء يحمله على الإضلال عن سبيله ؛ إذ من ضل عن سبيله إنما يضل لاتباعه هواه ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣] : أخبر أن من اتخذ إلها دونه إنما اتخذه بهواه لا بحجة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).
أي : تركوا الأعمال التي تعمل ليوم الحساب.
أو (بِما نَسُوا) أي : بما تركوا الإيمان به والإقرار ، والله أعلم.