أكرموا من أنواع الكرامات والفضائل التي خصوا هم بها من التوبة لله وفضل التضرع والابتهال إلى الله ؛ لما رأوا ما ارتكبوا كفرانا له فيما أنعم عليهم وأحسن إليهم ـ فضل تضرع وابتهال ما لا يلزم ذلك غيرهم فيماثل ما كان منهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً).
يحتمل أن يكون كرسيه ملكه ؛ فيكون ما ذكر كناية عن نزع ملكه.
وجائز أن يكون ما ذكر من إلقاء الجسد على كرسيه حقيقة الكرسي ألقى عليه جسدا يشبه جسد سليمان في الجسمية ، لا في العلم والمعرفة والبصر وما كان فيه من الكرامات ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) [طه : ٨٨] ، أي : عجلا مجسدا في الجسدية ، لا أن جسد العجل الذي اتخذه هو جسد العجل المعروف ؛ فعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) يشبه جسد سليمان في الظاهر في الجسدانية ، لا في أن جسده كجسد سليمان فيما فيه من اللحم والبصر وغير ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ أَنابَ).
يحتمل وجهين :
أحدهما : ثم أناب إلى الله تعالى ورجع إليه بجميع أموره إن كان فيه زلة وعثرة وأناب ورجع وأقبل وتاب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً).
يحتمل سؤال المغفرة عند سؤاله الملك أمرا فيما بينه وبين ربه ؛ لأن الملك مما يتلذذ به وفيه هوى النفس ؛ وعلى ذلك خرج سؤال زكريا ـ عليهالسلام ـ لما سأل ربه ـ عزوجل ـ الولد سأل أمرا بينه وبين ربه في ذلك وهو ما قال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ٣٨] ؛ ولذلك خرج سؤال الأنبياء فيما سألوا مما فيه اللذة وهوى النفس من الولد وغيره فرقوا في ذلك السؤال أمرا بينهم وبين ربهم ، فعلى ذلك سؤال سليمان ـ عليهالسلام ـ والملك قربة بالمغفرة في ذلك.
ثم يحتمل سؤاله المغفرة نفسها عما يكون منه من التقصير في ذلك.
أو يكون سؤاله المغفرة سؤال الأسباب التي بها يكون المغفرة لا نفس المغفرة ؛ نحو قول نوح ـ عليهالسلام ـ لقومه : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠] ، وقول هود ـ عليهالسلام ـ : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا) [هود : ٥٢] لا يحتمل أن يأمروا قومهم أن قولوا : نستغفر الله ، ولكن أمروهم أن يأتوا بالأسباب التي بها يصيرون أهلا للمغفرة وبها يستوجبون التجاوز ، فعلى ذلك يحتمل سؤال المغفرة ما ذكرنا ، والله أعلم.