مبينة ، وأن كل شيء ينصرف إلى المتعارف السابق إلى الأفهام ، فهاهنا أحل الأكل ، والذبح ، والانتفاع ، وفي قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] أي : وطء أمهاتكم.
واختلف ما أريد ببهيمة الأنعام ، فقيل : أراد الأنعام نفسها وهي الإبل ، والبقر ، والغنم ، وهذا محكي عن الحسن ، وقتادة ، والربيع ، والضحاك ، والسدي ، وهذا من إضافة الشيء إلى نفسه ، كقولك : نفس الإنسان ، ومسجد الجامع ، وصلاة الأولى ، وقيل : الإضافة بمعنى من قولك : خاتم حديد ، ومعناه : البهيمة من الأنعام ؛ لأن البهيمة كل ذات أربع ، فأباح منها الأنعام ، والأنعام الأزواج الثمانية ، وقيل : بهيمة الأنعام الظباء ، وبقر الوحش ، ونحوها ، كأنهم أرادوا (١) ما يدانيها في الاجترار ، وعدم الأنياب ، فأضيفت إلى الأنعام لأجل الشبه ، هذا حكاه جار الله وقيل : إن الظباء ، وبقر الوحش داخل ، وقيل : أراد بهيمة الأنعام أجنة الأنعام ، حكي هذا عن الشعبي ، وابن عباس.
وروي أن بقرة ذبحت فوجد في بطنها جنين ، فأخذ ابن عباس بذنبها وقال : هذا من بهيمة الأنعام.
وكذا عن ابن عمر : أنها أجنة الأنعام ، وأن ذكاته ذكاة أمه ، وهذه المسألة اختلف العلماء فيها : فمذهب الأئمة غير زيد أن الجنين إذا خرج ميتا لم يؤكل لحمه (٢) ، ولو ذكت أمه ؛ لأنه ميت ، وقد قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] ولأن موته في بطن أمه خنقا ، فتكون من المنخنقة ، والتي ورد النص بحرمتها وهذا قول أبي حنيفة ، ولم يصح لهم سند الأخبار ، وما صح من قوله عليهالسلام : «ذكاة الجنين ذكاة أمه» فإنه يروى
__________________
(١) أي : أهل اللغة.
(٢) وقد تقدم هذا في قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) [البقرة ١٧٣] الآية.