عين الكعبة بكلّ بدنه لأنّه قادر عليه ولو صلّوا جماعة وقفوا خلف الإمام مستديرين حول البيت ، ولو كان بعيدا عن المسجد الحرام فالمعتبر فيه جهة الكعبة على ما عرفت.
الثالث : المستقبل إذا قدر على التعيين بالمعاينة أو بأمارات أخر فلا يجتهد وإن لم يقدر فإن وجد من يخبره عن علم ولو كان المخبر ممّن يعتدّ بقوله رجع إلى قوله ، ولم يجتهد لأنّ مفاد الاجتهاد الظنّ وهو أدنى من العلم ، وإلّا اجتهد ، ومع العجز عن الاجتهاد يقلّد العدل العارف كالعاميّ في الأحكام ، وإلّا صلّي إلى أربع جهات أو جهة متحريّا ظنّه على الخلاف ، وتفصيل جميع ذلك في كتب الفروع.
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) قيل : أراد بهم علماء اليهود وقيل : علماء اليهود والنصارى ، وهذا أظهر لعموم اللفظ وشمول الكتاب التورية والإنجيل ، ولكن يجب أن يكونوا أقلّ من عدد التواتر ليصحّ عنهم الكتمان كذا قيل ، وفيه نظر.
(لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي يعلمون أنّ تحويل القبلة إلى الكعبة حقّ مأمور به من ربّهم وإنّما علموا ذلك لأنّهم كانوا عالمين بأنّ كلّ نبيّ له شريعة وله قبلة ولأنّه كان في بشارة الأنبياء لهم أنّه يكون نبيّا من صفاته أنّه يصلّى إلى القبلتين ، ولم يعترفوا بذلك لكثرة عنادهم وعدم انقيادهم إلى الحقّ.
(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) وعد ووعيد للفريقين ، وهذه الآية ناسخة لفرض التوجّه إلى بيت المقدس قال ابن عبّاس : أوّل ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة ، وقال قتادة : نسخت هذه الآية ما قبلها ، وقال جعفر بن مبشّر : هذا ما نسخ من السنّة بالقرآن وهذا هو الأقوى لأنّه ليس في القرآن ما يدلّ على التعبّد بالتوجّه إلى بيت المقدس.
وقيل : إنّها ناسخة لقوله (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وسيجيء (١).
وقد اختلف الناس في صلاة النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى بيت المقدس فقال قوم : إنّه كان
__________________
(١) ولاية الله الخويي ـ مد ظله ـ بيان متين في ذلك في ص ١٩٩ و ٢٠٠ من البيان فراجع.