يصلّى بمكّة إلى الكعبة فلمّا هاجر إلى المدينة أمره الله تعالى أن يصلّى إلى بيت المقدس ثمّ أعيد إلى الكعبة ، وقال قوم : كان يصلّى بمكّة إلى بيت المقدس إلّا أنّه كان يجعل الكعبة بينه وبينها ، ولا يصلّى إلى غير المكان الّذي يمكن هذا فيه ، وقال قوم : بل كان يصلّى بمكّة وبعد قدومه المدينة إلى بيت المقدس ، ولم يكن عليه أن يجعل الكعبة بينه وبينها. ثمّ أمره الله بالتوجّه إلى الكعبة ، وهل كانت صلوته قبل ذلك إلى بيت المقدس على الوجوب؟ قيل نعم ، وقيل : كان له أن يتوجّه حيث شاء ولكن اختار التوجّه إلى بيت المقدس ، وسيجيء.
الثانية : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١).
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يريد بهما ناحيتي الأرض فإنّ الأرض منقسمة إلى المشرق ، أي النصف الّذي فيه محلّ طلوع الشمس وإلى المغرب : أي النصف الّذي فيه محلّ غروبها. فله الأرض كلّها لا يختصّ به مكان دون مكان.
(فَأَيْنَما تُوَلُّوا) فعل شرط حذفت نونه بالجزم وأين للمكان وما زائدة ، والمعنى في أيّ مكان فعلتم التولية بمعنى تولية وجوهكم شطر المسجد الحرام بدليل قوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) كما تقدّم.
(فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي جهته الّتي أمر بها فإنّ إمكان التولية لا يختصّ بمسجد أو بمكان والمراد : أنّكم إذا منعتم أن تصلّوا في المسجد الحرام أو بيت المقدس كما فهم ذلك من الآية السابقة على هذه وهي قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ) الآية فقد جعلت لكم الأرض مسجدا فصلّوا في أيّ بقعة ، وأيّ جزء منها أردتم فإنّ الكلّ لله ، والتوجّه إلى شطر المسجد الحرام غير مخصوص بمكان دون مكان بل هو ممكن في كلّ مكان ، وبذلك يندفع وهم من يتوهّم عدم إمكان التوجّه إلى جهة واحدة من جميع الأمكنة كذا في الكشّاف ، و
__________________
(١) البقرة ١١٥.