لم يتعرّض الشيخ في التبيان لحكاية المنع في الآية السابقة بل نقل عن الجبائي أنّه ردّ على اليهود حيث أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة ، وقال : ليس هو تعالى في جهة دون جهة كما يقوله المشبّهة ، ثمّ قوّى هذا القول فعلى هذا لا تكون الآية منسوخة ولا مخصوصة بحال الضرورة ، ولا بالنوافل مطلقا أو حال السفر.
وقيل : إنّها منسوخة لأنّ المسلمين كان لهم التوجّه حيث شاؤوا في صلوتهم وتوجّه النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى بيت المقدس كان باختياره وإلّا فكان له أن يتوجّه حيث شاء كما قاله الشيخ في التبيان ، وفي ذلك نزلت الآية ، ثمّ نسخ بقوله : وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره.
وقيل : إنّها مخصوصة بالنوافل إذا صلّيت على الراحلة فإنّها تصلّي حيث ما توجّهت حال السفر.
وأمّا الفرائض فلا تصلّى إلّا إلى القبلة لقوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) قال في التبيان : وهذا هو المرويّ عن أئمّتنا عليهمالسلام (١) وقالوا : صلّى رسول الله : إيماء على راحلته أينما توجّهت الراحلة به حيث خرج إلى خيبر وحين رجع إلى مكّة وجعل الكعبة إلى ظهره.
وقيل : إنّها مخصوصة بحال الحيرة والضرورة روي جابر أنّه قال : بعث النبيّ صلىاللهعليهوآله سرية كنت فيها وأصابتنا ظلمة. فلم نعرف القبلة. فقال : طائفة منّا ، قد عرفنا القبلة هي هنا قبل الشمال فصلّوا وخطّوا خطوطا ، وقال بعضنا : القبلة هي هنا قبل الجنوب فخطّوا خطوطا ، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس تبيّن خطاءهم فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله فسكت فأنزل الله هذه الآية (٢) وعلى هذا فالمفهوم منها أنّه لا يجب حال الحيرة
__________________
(١) انظر البرهان ج ١ ص ١٤٦ ومثله في طرق أهل السنة انظر سنن البيهقي ج ٢ ص ٤.
(٢) انظر الدر المنثور ج ١ ص ١٠٩ وتفسير ابن كثير ج ١ ص ١٥٨ وفتح القدير ج ١ ص ١١٣ وسنن البيهقي ج ٢ ص ١٠ وانظر أيضا المجمع ج ١ ص ١٩١ وقلائد الدرر ج ١ ص ١٢٢.