فلمّا مات وأرسل إليه قميصه ليكفّن وذهب ليصلّي عليه فنزلت (١) ، وقيل : صلّى عليه ثمّ نزلت ، والأكثر في الرواية أنّه لم يصلّ عليه كذا في مجمع البيان (٢) ، وإنّما لم ينه عن التكفين في قميصه لأنّ الضنة بالقميص تخلّ بالكرم ، وروي أنّه قيل لرسول الله صلىاللهعليهوآله : لم وجّهت بقميصك إليه يكفن فيه وهو كافر فقال : إنّ قميصي لن يغني عنه من الله شيئا وإنّي أؤمل من الله ، أن يدخل بهذا السبب في الإسلام خلق كثير ، وقد وقع ذلك فقد روي أنّه أسلم ألف من الخزرج ذكره الزجاج ، ومات في محلّ الجرّ صفة لأحد ، وقوله :
(أَبَداً) منصوب بتصلّ ، والمراد نهيه عن الصلاة عليهم في جميع الأوقات على التأبيد قطعا لاطماعهم في ذلك ، وجعل البيضاوي مات أبدا بمعنى الموت على الكفر فإنّ إحياء الكافر للتعذيب دون التمتّع فكأنّه لم يجيء ، وفيه بعد.
(وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) أي تتولّى دفنه أو تتركه في قبره من قولهم : قام فلان بأمر فلان ، ويحتمل الوقوف على القبر للدعاء فإنّه صلىاللهعليهوآله كان إذا صلّى على ميّت وقف على قبره ساعة ، ودعا له ، والقبر حفرة يدفن فيها الميّت تقول : أقبرته إذا جعلته في قبره.
(إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن طاعة الله إلى معصيته وهو تعليل للنهي عن الأمرين المتقدّمين وبيان لسببه ، وإنّما وصفهم بالفسق لأنّ الكافر قد يكون عدلا في دينه ، والكذب والنفاق والخداع والجبن والخبث مستقبح في جميع الأديان ، ومقتضى الأصل جواز الصلاة على كلّ أحد خرج الكافر الّذي مات على الكفر لهذا النهي فبقي ما عداه على الجواز والسنة تثبت كونها فرضا على الكفاية إذا قام قوم سقط عن الباقين.
وقد أجمع العلماء على وجوبها كذلك على كلّ مظهر للشهادتين ومن في حكمه من سائر فرق الإسلام لكن إذا لم يعتقدوا خلاف ما علم ثبوته من الدين ضرورة
__________________
(١) انظر الكشاف ج ٢ ص ٥٢.
(٢) انظر المجمع ج ٣ ص ٥٧ وقريب منه أيضا في الكشاف.