فقال : «قد اشتريتها منك بلا شيء». قال : وأمر غلامه أن يدخله المربط ، قال : فبقي محمد بن الحسن ساعة ينتظر الثّمن ، فلمّا أبطأه الثمن ، قال : جعلت فداك ، الثمن؟ قال : «الميعاد إذا كان الغداة» ، فرجع إلى أبي حنيفة ، فأخبره ، فسرّ بذلك ورضيه منه. فلما كان من الغد وافى أبو حنيفة ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «جئت لتقبض الثمن ، لا شيء؟» قال : نعم. قال : «ولا شيء ثمنها؟» قال : نعم. فركب أبو عبد الله عليهالسلام البغلة ، وركب أبو حنيفة بعض الدوابّ ، فتصحّرا جميعا ، فلما ارتفع النهار ، نظر أبو عبد الله عليهالسلام إلى السّراب يجري ، قد ارتفع كأنّه الماء الجاري ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «يا أبا حنيفة ، ماذا عند الميل (١) ، كأنّه يجري؟» قال : ذاك الماء ، يابن رسول الله. فلمّا وافيا الميل ، وجداه أمامهما ، فتباعد ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «اقبض ثمن البغلة ، قال الله تعالى (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ»). قال : فخرج أبو حنيفة إلى أصحابه كئيبا حزينا ، فقالوا له : مالك ، يا أبا حنيفة؟ قال : ذهبت البغلة هدرا ، وكان قد أعطي بالبغلة عشرة آلاف درهم» (٢).
* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :
(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠) [سورة النور : ٤٠]؟!
الجواب / قال صالح بن سهل : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول ، في قول
__________________
(١) الميل : قدر منتهى مدّ البصر من الأرض ، وقيل : مسافة من الأرض متراخية ليس لها حدّ معلوم. «أقرب الموارد ـ ميل ـ ج ٢ ، ص ١٢٥٦».
(٢) الاختصاص : ص ١٩٠.