الواسعة ، فلم يعرفوا حق النعمة ، وكفروا فأهلكناهم. (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) تلك إشارة إلى ما يعرفونه هم من ديار عاد وثمود وقوم لوط. أي : صارت مساكنهم خاوية ، خالية عن أهلها ، وهي قريبة منكم. فإن ديار عاد ، إنما كانت بالأحقاف ، وهو موضع بين اليمن والشام ، وديار ثمود بوادي القرى ، وديار قوم لوط بسدوم. وكانوا هم يمرون بهذه المواضع في تجاراتهم.
(وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) أي : المالكين لديارهم ، لم يخلفهم أحد فيها. ثم خاطب سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (وَما كانَ رَبُّكَ) يا محمد (مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) قيل : أن معنى أمها أم القرى ، وهي مكة. وقيل : يريد معظم القرى من سائر الدنيا (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي : يقرأ عليهم حججنا وبيناتنا. (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) لنفوسهم بالكفر والطغيان ، والعتو والعصيان. ثم خاطب سبحانه خلقه ، فقال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي : وما أعطيتموه من شيء. (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) أي : هو شيء تتمتعون به في الحياة ، وتتزينون به (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب ، ونعيم الآخرة (خَيْرٌ) من هذه النعم (وَأَبْقى) لأنها فانية ، ونعم الآخرة باقية. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ذلك ، وتتفكرون فيه ، حتى تميزوا بين الباقي والفاني (١).
* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٤٩ ـ ٤٥٠.