الواضح ان اعتماد العقلاء عليها ليس من باب التعبد المحض ، لا نقول ان التعبد في أمور العقلاء غير معقول ـ كما ذكره بعض محققي المتأخرين ـ بل نقول ان التعبد في ما بينهم وان كان معقولا مثل تعبدهم بالقرعة ، فإنها لا كاشفية لها عن الواقع عندهم بل قد لا يكون في موردها واقعا مجهولا ، تكشف عنه القرعة كما في موارد قسمة الأموال بين الشركاء ، ولكن ما نحن فيه ليس من التعبد بل الظاهر انهم يعتمدون على قول ذي اليد بما انه كاشف عن الواقع وامارة عليه ، لأنه أعلم واعرف بما في يده من غيره.
والحاصل ان جميع الخصوصيات الموجودة في الأمارات موجودة هنا ، فان ذا اليد غالبا أبصر بما في يده من غيره ، فيكون اخباره عنه كاشفا عن الواقع المجهول.
الثاني : هل يعتبر فيه العدالة أو الوثاقة؟
لا يخفى على الناظر في اخبار الباب ان إطلاقها ينفي اعتبار العدالة والوثاقة وظاهرها قبول قول ذي اليد سواء كان عادلا أو ثقة أولا ، وهكذا فتاوى الأصحاب مطلقة من هذه الجهة ، حتى ان بعضهم تردد في اعتبار الإسلام فيه ، واحتمل قبول قوله وان كان كافرا ، بل افتى بعضهم باعتباره مطلقا.
قال المحقق اليزدي في العروة : «لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين ان يكون فاسقا أو عادلا بل مسلما أو كافرا» (١) وقرره على ذلك كثير من المحشين وان تأمل فيه بعضهم.
ويؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه عدم اعتبار شيء من هذه القيود في بناء العقلاء عليه ، الذي قد عرفت انه الأصل في هذه المسألة.
نعم يستثنى من ذلك ما إذا كان ذو اليد متهما في مقالته ، أو يكون هناك قرائن
__________________
(١) العروة الوثقى طريق ثبوت النجاسة المسألة ١٢.