ورابعا ـ أعجب من الكل الاستدلال بعدم جواز علية الشيء لعدمه فان مقتضى الحديث ان الإسلام يكون علة لإثبات التكاليف عليه في المستقبل فقط لا بالنسبة الى الماضي.
واما بالنسبة إلى الواجبات البدنية التي انعدم شرائطها فعلا كالحج بعد زوال الاستطاعة ، والظاهر انها أيضا مشمولة لحديث الجب ، ويوافقه السيرة المستمرة ، فمن كان مستطيعا في الأزمنة البعيدة ثمَّ أسلم بعد سنين حال كونه غير مستطيع لا يلزم بالحج.
هذا كله مما لا ينبغي الإشكال في دخولها تحت القاعدة.
وكذا لا ينبغي الإشكال في خروج بعض ما ثبت فيه القصاص الشرعي ، أو الديات الثابتة في الشرع مما لم تكن ثابتة عند العقلاء والأديان السابقة فالظاهر انها أيضا مرفوعة بحكم القاعدة لما عرفت عند تفصيلها.
واما قصاص النفس وشبهه مما اشترك فيه الإسلام والكفر وجميع الأديان الإلهية وغيرها ، فالإنصاف انها خارجة عن القاعدة ولا وجه لرفعها بالإسلام ، فإنها ليست أحكاما إسلامية فقط حتى ترتفع عمن لم يؤمن بها ، وان هو الا كالديون المالية الثابتة في جميع الشرائع بل وعند من لا يؤمن بأي دين.
فلو قتل إنسان إنسانا آخر ثمَّ أسلم ، فالقصاص ثابت وكذا الدية عند اجتماع شرائطها.
نعم المعروف من سيرة النبي صلىاللهعليهوآله انه لم يعتن بدماء الجاهلية ولم يؤاخذ أحدا بها ، وقد اشتهرت منه صلىاللهعليهوآله هذا الحديث «الا وان كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ودماء الجاهلية موضوعة» (١).
__________________
(١) رواه ابن ماجه في السنن في المجلد الثاني ص ١٠٢٣ الباب ٨٤ من كتاب المناسك (باب حجة رسول الله «ص») ورواه أيضا غيره من المحدثين وأرباب السير.