فكل من يسيطر على شيء ويحوزه ، من منابع الأرض ومواهبها يرى لنفسه اختصاصا بها ولها اختصاصا به ومن هنا نشأت عنوان الملكية.
وقد كان كثير من الأشياء الموجودة على الأرض لا يمكن الانتفاع بها قبل إصلاحها واعمال عليها فكان يعمل فيها بما يصلحها ويعدها لحوائجه ، فكان العمل سببا آخر للملكية.
ومن هنا يعلم ان جميع الاملاك الموجودة للإنسان ترجع الى احد هذين السببين : «الحيازة» و «العمل» فلو لا الحيازة أو العمل لم يكن ملك ، وهذا أوضح دليل على ان الحيازة من أسباب الملك ، لان جميعها بالمآل يرجع اليه.
ثمَّ بعث الله الرسل وانزل الكتب السماوية لهداية الإنسان إلى غاية خلقه ، وإيصاله إلى كمال مطلوبه ، وإصلاح أمور معاشه ومعاده.
وهم قرروها الأمم على كثير من أمورهم العقلائية ، ومنها الحيازة ، فلم ينكر احد منهم سببية الحيازة للملك ، وكذا سببية العمل له.
نعم ذكروا لها شروطا وقيودا اجتنابا من مفاسدها ، وتكميلا لمصالحها.
الى ان جاء نبينا محمد صلىاللهعليهوآله وانزل عليه القرآن ، فهو أيضا قرر أمته على ذلك ولم يمنع منه بل آثار في نفوسهم الشوق الى احياء الأرض ، وحيازة منابعها ، ومواهبها وصرفها في المعروف وما يكون فيه رضا الرب.
وهذه السيرة العقلائية من أقوى السير ، ومن أقدمها ، فهي أحرى بالحجية من غيرها.
كما ان إمضاء الشرع لها أظهر من الجميع ، فقد كان حيازة المباحات طول الليل والنهار ، وفي جميع أيام السنة ، بمرأى من الشارع وبمسمعه ، ولم ينكر على احد في ذلك بل أكده وجرى عمله وعمل أصحابه عليه ، فاذا لا يبقى اي شك في كون الحيازة ـ على إجمالها ـ سببا للملك.