فان الأدلاء بها الى الحكام لأكل أموال الناس انما هو من باب الأسباب ، ويؤيده أيضا «الباء» في قوله «بالباطل» ، فالاستدلال بالاية لغير ذلك غير جائز.
وفيه أولا ان كون هذه الأمور من الباطل مما لا ريب فيه ، ولكن لا دليل لنا على حصر الآية في خصوص الأسباب ، وآية البقرة لا تنفي ما سواها ، وكون الباء للسببية أيضا غير مانع ، فمن أكل مال الغير في مقابل الخمر وآلات القمار مثلا فقد اكله بسبب باطل ، وكذلك في مقابل الحشرات والأشياء التي لا مالية لها عند العقلاء وأهل الشرع.
سلمنا ذلك ولكن ما نحن فيه أي الفسخ من جانب المشتري أو البائع من دون موافقة الطرف الأخر من الأسباب الباطلة وعلى كل حال شمول الآية لما نحن بصدده مما لا ينبغي الريب فيه.
ومن الايات قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١).
وجه الاستدلال به على أصالة اللزوم ما ذكره الشيخ الأعظم : ان حلية البيع التي لا يراد منها الا حلية جميع التصرفات المترتبة عليه ، التي منها ما يقع بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضى الأخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ ، وكونه لغوا غير مؤثر (انتهى).
وحاصله ان إطلاق الحلية الدالة على تأثير البيع يشمل ما بعد زمان الفسخ من الجانب الأخر ، ولازمه عدم تأثير الفسخ أصلا.
وفيه انه انما ورد في جواب الكفار والمخالفين لتحريم الربا ، وقولهم «انما البيع مثل الربا» فقد قال الله تعالى في جوابهم : ليس البيع مثل الربا ، الربا حرام والبيع حلال ، فلا يجوز قياس أحدهما على الأخر ، ومن البعيد ان يكون مثل هذا الكلام ناظرا الى حكم الفسخ ، وفي مقام البيان من هذه الجهة ، بل المقصود
__________________
(١) سورة البقرة : الاية ٢٧٥.