محمّد لم يخرج بلغه أنّا خرجنا فرجعنا لأنّه لم يخرج ، فيكون هذا لنا عليه ، وإن كان خرج أظهرنا أنّ هذا عام جدب ولا يصلحنا إلّا عام عشب. قالوا : نعم ما رأيت.
فخرج في قريش : وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا ، حتى انتهوا إلى مجنّة (بناحية مرّ الظّهران على أميال من مكّة) ثمّ قال لهم : ارجعوا ، فإنّه لا يصلحنا إلّا عام خصب غيداق ، نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وإنّ عامكم هذا عام جدب ، وإنّي راجع ، فارجعوا ، فرجعوا.
وأقبل رجل من بني ضمرة يقال له مخشيّ بن عمرو ، وهو الذي حالف رسول الله على قومه في غزوة رسول الله الاولى إلى ودّان ، وكان الناس مجتمعين في سوقهم ، وأصحاب رسول الله أكثر أهل ذلك الموسم ، فقال : يا محمّد ، لقد اخبرنا أنّه لم يبق منكم أحد! فما أعلمكم إلّا أهل الموسم!
فقال رسول الله : ما أخرجنا إلّا موعد أبي سفيان وقتال عدوّنا! وهو يريد أن يرفع ذلك إلى عدوّه من قريش ، وسمع بذلك معبد بن أبي معبد الخزاعي ، وكان مقيما هناك ثمانية أيّام ورأى أهل الموسم ورأى أصحاب رسول الله وسمع كلام مخشيّ ، فانطلق سريعا حتّى قدم مكّة ، فكان أوّل من قدم بخبر موسم بدر فسألوه فقال : وافى محمّد في ألفين من أصحابه ، وأقاموا ثمانية أيّام حتى تصدّع (وتفرّق) أهل الموسم!
فقال صفوان بن اميّة لأبي سفيان : والله لقد نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترؤوا علينا ورأوا أن قد أخلفناهم ، وإنمّا خلّفنا الضعف عنهم.
وغاب رسول الله فيها ست عشرة ليلة ، ورجع إلى المدينة لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة (١).
__________________
(١) مغازي الواقدي ١ : ٣٨٤ ـ ٣٨٩. هذا وقد قال : انتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة ،