رسول الله في الغابة لآتيه بلبنها ، وكانت إبل عبد الرحمن بن عوف دون إبل النبيّ ، فيها غلام لعبد الرحمن فلقيته فأخبرني أنّ عيينة بن حصن قد أغار في أربعين فارسا على لقاح رسول الله.
فرجعت بفرسي إلى المدينة حتّى أشرفت على ثنية الوداع (١) فصرخت بأعلى صوتي ثلاثا : يا صباحاه! (٢) وبلغ رسول الله صياح بن الاكوع ، فصرخ بالمدينة : الفزع الفزع (٣) ثمّ طلع رسول الله مقنّعا في الحديد ووقف ، فكان أوّل من أقبل إليه المقداد بن عمرو عليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه ، فعقد له رسول الله لواء في رمحه وقال له : امض حتّى تلحقك الخيول ونحن على أثرك.
قال المقداد : فخرجت وأنا أسأل الله الشهادة ، حتّى أدركت اخريات العدو وقد أعيا فرس لهم فنزل عنه صاحبه وارتدف خلف أحدهم ، وتأخر الفرس عنهم ، فأخذت الفرس وربطت في عنقه قطعة وتر وخلّيته ، وأدركت منهم رجلا يدعى مسعدة فطعنته برمح فيه اللواء فزلّ الرمح وأعجزني هربا ، ونصبت لوائي ليراه أصحابي فلحقني أبو قتادة على فرس له ، ثمّ استحثّ فرسه فتقدّم عليّ حتّى غاب عنّي ثمّ لحقته فإذا هو قد قتل مسعدة وسجّاه ببرده.
__________________
(١) سيأتي في خبر خيبر البحث في ثنية الوداع هل كانت قبل خيبر في السنة السابعة؟ تسمّى بذلك أم لا؟ وأثبت بعضهم للمدينة ثنتين : شمالية وهي على طريق الشام وهي التي عُرفت بهذا الاسم في خروجهم إلى خيبر ، والاخرى جنوبية على يمين طريق قُباء الطالع إلى قُباء قبل المسجد بكيلومتر واحد ، وهي معلم بارز للعيان ، وعليها ما زال قلعة من العهد التُركي. كما في كتاب : المساجد والاماكن الاثرية المجهولة في المدينة لعبدالرحمن خويلد الحجازي ، وعنه في مجلة ميقات الحج ٦ : ٢٦٨.
(٢) المغازي ٢ : ٥٣٩.
(٣) ابن هشام ٣ : ٢٩٤.