قال سلمة بن عمرو الأكوع : لحقنا رسول الله والخيول عشاء ، فقلت : يا رسول الله ، إنّ القوم عطاش وليس لهم ماء دون كذا وكذا ، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما بأيديهم من السّرح وأخذت بأعناق القوم. فقال : ملكت فاسجح (١) ، إنّهم الآن في غطفان (٢).
وأقام رسول الله بذي قرد (٣) تلك الليلة ونهارها يتلقى الأخبار ، وكانوا خمسمائة إلى سبعمائة ، وقسم في كلّ مائة منهم جزورا ينحرونها ، وصلّى بهم صلاة الخوف.
وكان قد أقام في المدينة سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسونها خمس ليال حتّى رجع النبي صلىاللهعليهوآله. وهو الذي بعث إليه بعشرة جزائر محمّلة بالتمور مسيّرة لهم ، مع ابنه قيس بن سعد ، فقال له رسول الله : يا قيس بعثك أبوك فارسا وقوّى المجاهدين وحرس المدينة من العدو ، اللهم ارحم سعدا وآل سعد. ثمّ قال : نعم المرء سعد بن عبادة! فقال بعض الخزرج : يا رسول الله ، هو سيّدنا وابن سيّدنا ، وإنّ أهل هذا البيت كانوا يطعمون في المحل ويحملون الكلّ ويقرون الضيف ويعطون في النائبة ويحملون عن العشيرة. فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهليّة إذا فقهوا في الدين (٤).
وروى ابن إسحاق عن الحسن بن أبي الحسن البصري : أنّ رسول الله رجع قافلا إلى المدينة فأقبلت امرأة الغفاري (أبي ذر أو ابنه) على ناقة من نوق رسول الله نجت عليها ، فأخبرته خبرها ثمّ قالت : يا رسول الله ، إنّي قد نذرت لله أن أنحرها إن نجّاني الله عليها؟ فتبسّم رسول الله ثمّ قال لها : بئس ما جزيتها أن حملك الله
__________________
(١) المغازي ٢ : ٥٤١.
(٢) ابن هشام ٣ : ٢٩٧.
(٣) أشار إليها الحلبي في المناقب ١ : ٢٠١.
(٤) المغازي ٢ : ٥٤٧.