الذين كفروا وجهروا بالكفر أو نافقوا كانوا قد سمعوا الآية ٤١ من سورة العنكبوت المكيّة : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) فقالوا : ما ذا أراد الله من ذكر هذا؟ (١) أو إن الله أجلّ من أن يضرب مثلا (٢) فردّ الله عليهم بهذه الآية من سورة البقرة.
ومنها : أن اليهود كانوا يزعمون جهلا أنهم إذا أقرّوا برسول الله لزمهم الاقرار ، والّا فانّ لهم الانكار ، ولذلك كانوا يتواصون بالانكار وأن لا يتحدثوا الى المسلمين بما فتح الله للمسلمين على اليهود برسول الله بعد أن كانوا هم (اليهود) يستفتحون به على غيرهم من العرب في يثرب. وكأنّهم اذا تحدّثوا الى المسلمين بذلك قامت الحجة عليهم بذلك ، وان لم يتحدثوا إليهم بذلك لم يكن علمهم بذلك حجة عليهم! فردّ الله عليهم بقوله سبحانه : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ* أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(٣).
روى الطوسي في «التبيان» عن الباقر عليهالسلام قال : كان قوم من اليهود ليسوا بالمعاندين المتواطئين اذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمد صلىاللهعليهوآله فنهاهم كبراؤهم عن ذلك وقالوا : لا تخبروهم بما (فتح الله عليكم) في
__________________
(١) التبيان ١ : ١١١ عن قتادة. وأرى أنّ إضافة الذّباب إلى العنكبوت من خطأ الرواة إذ أنّ الذباب في سورة الحج المدنية المتأخرة عن البقرة بكثير.
(٢) التبيان ١ : ١١١ عن ابن عباس وابن مسعود.
(٣) البقرة : ٧٦ و ٧٧ والخبر في سيرة ابن هشام ٢ : ١٨٥ بالمعنى.