______________________________________________________
وجه الاستدلال به : إن كلمة ( أنى ) للتعميم في المكان بمعنى أين ، وهي تستدعي تعدد الأمكنة ، يقال : اجلس أنى شئت وأين شئت أي : في أي مكان شئت ، وحيث كان كذلك كانت الآية دليلا على جواز الإتيان في الدبر ، إذ لا يتحقق تعدد المكان إلاّ بذلك.
ويؤيد هذا ما روى العامة عن ابن عباس أن سبب نزول الآية ان عمر جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله هلكت ، وحكى وقوع هذا الفعل منه فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).
قيل : إنّ المراد بالآية التخيير بين إتيان المرأة في قبلها من قبلها وبين إتيانها من دبرها في قبلها. ويؤيده ما روي في سبب النزول من أن اليهود قالوا : من أتى امرأة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « كذبت اليهود » (٢) فنزلت. وكذا يؤيده قوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) (٣) أي مزرع ومنبت الولد ، شبّههن بالأرض من حيث أن النطفة التي تلقى في أرحامهن للنسل كالبذر ، فيكون المعنى لقوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) : فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم ، لا يحظر عليكم جهة دون جهة ، أي : جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدا وهو موضع الحرث.
وكذا قوله تعالى ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) فإن المراد به القبل ، فإن الدبر لا يؤمر به إجماعا.
قلنا : قد بينا أن المراد بالآية التخيير بين الأمكنة ، وذلك يقتضي تعددها ، والإتيان من القبل والدبر في القبل انما فيه اختلاف طريق المكان والمكان واحد ،
__________________
(١) التفسير الكبير ٦ : ٧٥.
(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٩٤ مع اختلاف يسير.
(٣) البقرة : ٢٢٣.