أضبط ودلالة النص عليه أقوى ، والتقدير ثالثة ، لكونه تحقيقا ، والاحتياط بالقصر والإتمام في مقام الاختلاف رابعة.
وذلك لأنّ مسيرة يوم أمر مطلق ، مختلفة الأفراد قطعا ، لتفاوتها باعتبار اختلاف السير في كيفية السير ، ونفس سير المراكب ، والأمكنة ، والأزمنة ، والراكب ، والأثقال ، واختلاف الأيام. والأخبار المقيدة بثمانية فراسخ مقيدة. وحمل المطلق على المقيّد واجب ، فيتعين الحمل على الفراسخ. وأضبطيّة السير ممنوعة. مع أنّ الوارد في الأخبار المتقدّمة ضبط مسيرة يوم أيضا بالفراسخ ، فيعلم أنها المراد منها ، وإن كان ذلك لأجل علمهم بأنّها الأغلب للعامّة في مسيرة اليوم.ألا ترى أنّه إذا أمر الشارع بالإطعام بقدر تشبع عامة الناس ، ثمَّ عيّنه بالمدّ يحمل عليه؟!
ولقد أجاد بعض بعض الأجلّة في شرحه على الروضة (١) ، حيث قال ـ بعد ذكر ما نقلنا عن بعض المتأخّرين ـ : لا مجال لاعتبار السير إذا خالف التقدير ، فإنّ الأخبار الناطقة بالتقدير ممّا لا تحصى كثرة ، والناطقة بالسير لا شكّ أنّها مطلقة بالنسبة إلى الأوّلة ، ولا بدّ من حمل المطلق على المقيّد ، لا سيّما وبعضها مصرّح بتقييد ذلك المطلق بذلك القيد. هذا ، مع أنّ تعليق الحكم الشرعي بالأمر المنضبط أولى من تعليقه بأمر مضطرب ، وأنّ التقصير في أقلّ ذلك مخالف للأصل من وجهين ، فإنّ الأصل بقاء حكم الإتمام وعدم التقصير ، والأصل عدم تحقّق الشرط. فالتقدير بثمانية فراسخ مما لا ينبغي الشك فيه. انتهى.
وعلى هذا فاللازم الرجوع إلى تعيين معنى الفرسخ بالفحص في الأخبار ، فإن تعيّن [ وإلاّ ] (٢) فالرجوع إلى اللغة أو العرف.
فإن قلت : التقدير كما ورد بالفراسخ ورد بالبريد والأميال أيضا ، ومع ذلك يظهر من الأخبار اتحاد الثلاثة ، فهلاّ جعلت الحدّ أحد الأخيرين ، والرجوع إلى
__________________
(١) الظاهر هو « المناهج السّوية في شرح الروضة البهية » للفاضل الهندي ( مخطوط ).
(٢) أضفناه لاستقامة العبارة.