ويرد على الأول : منع توقّف انقطاع الإقامة بالسفر الشرعي ، بل ينقطع عرفا بغيره أيضا. وحمل الإقامة على ترك السفر الشرعي لا يوافق حقيقة لغوية ولا شرعية ولا عرفية.
وعلى الرواية الأولى : أنّها معارضة مع الصحيحتين الأخيرتين ، فإنّهما تدلاّن على أنّ قصد عرفات يوجب التقصير ويهدم قصد الإقامة ، فهما حجّتان على المستدلّ لو قال بعدم كون أربعة فراسخ مسافة ، ولا تصلح حجّة له لو قال بكونها مسافة. مع أنّ لزوم خروج كلّ من يرد مكة إلى عرفات ممنوع ، ومن أين علم خروج الراوي؟
وعلى الأخيرتين : أنّهما صرّحتا بهدم الإقامة الأولى بقصد عرفة ولم يعلم أنّ الحكم بالتمام فيهما لمن يأتي منى لأجل قصد إقامة مستأنفة قبل الإتيان بمنى ثانيا بمكة ، لخلوهما عن هذا التقييد ، وليس منه فيهما عين ولا أثر ، بل مقتضاهما التمام ولو لم يقصد الإقامة المستأنفة أيضا.
ودعوى أكثريّة عزم الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج ـ كما في الوافي ـ (١) ممنوعة جدا ، سيّما في زمان الإمام لأهل مدينة ونحوهم.
بل الأخيرة صريحة في أنّه ليس لذلك ، لجعلها غاية التمام النفر المستلزم لعدمه بعد النفر ودخول مكة مع أنّه لو كان السبب ذلك لوجب التمام بعد النفر في مكة أيضا ، وحمل النفر على النفر إلى بلده يوجب بطلان الإتمام للقصد في مكة إجماعا.
ومنه يظهر تقييد الصحيحة الأولى بما قبل النفر أيضا وتخرجان بذلك عن مفروض المسألة ، غاية الأمر أنّه لا يكون سرّ الإتمام في منى فيهما معلوما لنا ، فلا تفيدان لنا في المسألة شيئا.
ويمكن أن يكون الإتمام لقصد إقامة مستأنفة بعد النفر من منى في مكة ، حتّى تكون أيام منى محصورة بين قصد إقامتين بأن لا تضرّ مسافة التخيير في
__________________
(١) الوافي ٧ : ١٥٤.