بجواز التباعد بثلاث مائة ذراع (١) ، وعن الخلاف من تحديده البعد الممنوع منه بما يمنع من مشاهدة الإمام والاقتداء بأفعاله (٢). ومجرّد ذلك غير قادح في حكم الحدس بالإجماع. مع أنّ كلامهما كما صرّح به جماعة (٣) غير صريح بل ولا ظاهر في المخالفة ، فيكون البطلان به مجمعا عليه.
وهو الدليل له ، دون ما قيل من الأصل ، وعدم مصحّح للعبادة معه ؛ لأنّ الأصل يندفع بالإطلاقات ، وهي أيضا كافية في التصحيح.
والقول بعدم انصرافها إلى من يبعد بهذه المثابة واه ؛ لأنّ التحديد في ذلك موكول إلى الشرع ولا مدخليّة لغيره فيه ، فلا انصراف إلى حدّ قبل تحديده.
ولا يبطل بما دونه ؛ لما مرّ من الأصل والإطلاق المؤيّدين بالشهرة العظيمة الّتي ـ كما قيل ـ كادت أن تكون إجماعا (٤).
خلافا للمحكي عن الحلبي وابن زهرة (٥) ، فمنعا عن البعد بما لا يتخطّى ؛ للصحيحة والرواية المتقدّمتين (٦).
وقد عرفت ما في الاستناد إليهما من الإجمال في هذا اللفظ.
ولو استندا في التقدير فيهما بمسقط جسد الإنسان لأجبنا بعدم دلالة الصحيحة على وجوبه ؛ لإتيانه فيه بالجملة الخبرية. بل في الإتيان بقوله : « ينبغي » وضمّه مع تواصل الصفوف وتماميّتها دلالة واضحة على الاستحباب ، بل ـ كما قيل (٧) ـ هي أظهر من دلالة : « لا صلاة » على الفساد. مع أنّه إذا جعل المبدأ المسجد فلا يكون لهما كثير مخالفة مع المختار ـ سيّما مع احتمال إرادة مسقط تمام
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٥٦.
(٢) الخلاف ١ : ٥٥٩.
(٣) منهم الشهيد في الذكرى : ٢٧٢ ، وصاحبا الحدائق ١١ : ١٠٥ ، والرياض ١ : ٢٣٠.
(٤) الرياض ١ : ٢٣٠.
(٥) الحلبي في الكافي : ١٤٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.
(٦) في ص ٥٥ ، و ٦٦.
(٧) الرياض ١ : ٢٣٠.